الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ ٱمْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ }

وقوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } الخ كلام مستأنف مسوق لبيان حال طائفة من أهل الجنة إثر بيان حال الكل وهم الذي شاركتهم ذريتهم في الإيمان، والموصول مبتدأ خبره { أَلْحَقْنَا بِهِمْ } ، وقوله تعالى: { وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرّيَّتُهُم } عطف على { ءامَنُواْ } ، وقيل اعتراض للتعليل، وقوله تعالى: { بِإِيمَـٰنٍ } متعلق بالاتباع أي أتبعتهم ذريتهم بإيمان في الجملة قاصر عن رتبة إيمان الآباء إما بنفسه بناءاً على تفاوت مراتب نفس الإيمان، وإما باعتبار عدم انضمام أعمال مثل أعمال الآباء إليه، واعتبار هذا القيد للإيذان بثبوت الحكم في الإيمان الكامل أصالة لا إلحاقاً قيل: هو حال من الذرية، وقيل: من الضمير وتنوينه للتعظيم، وقيل: منهما وتنوينه للتنكير والمعول عليه ما قدمنا.

{ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرّيَّتَهُمْ } في الدرجة. أخرج سعيد بن منصور وهناد وابن جرير وابن المنذر وابن أبـي حاتم والحاكم والبيهقي في «سننه» عن ابن عباس قال: «إن الله تعالى ليرفع ذرية المؤمن معه في درجته في الجنة وإن كانوا دونه في العمل لتقرّ بِهِم عينه ثم قرأ الآية» وأخرجه البزار وابن مردويه عنه مرفوعاً إلى النبـي صلى الله عليه وسلم، وفي رواية ابن مردويه والطبراني عنه أنه قال: إن النبـي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا دخل الرجل الجنة سأل عن أبويه وزوجته وولده فيقال له: إنهم لم يبلغوا درجتك وعملك فيقول: يا رب قد عملت لي ولهم فيؤمر بإلحاقهم به " وقرأ ابن عباس الآية.

وظاهر الأخبار أن المراد بإلحاقهم بهم إسكانهم معهم لا مجرد رفعهم إليهم واتصالهم بهم أحياناً ولو للزيارة، وثبوت ذلك على العموم لا يبعد من فضل الله عز وجل، وما قيل: لعله مخصوص ببعض دون بعض تحجير لإحسانه الواسع جل شأنه، وقد يستأنس للتخصيص بما روى عن ابن عباس أن الذين آمنوا المهاجرون والأنصار، والذرية التابعون لكن لا أظن صحته.

{ وَمَا أَلَتْنَـٰهُمْ } أي وما نقنصا الآباء بهذا الإلحاق { مّنْ عَمَلِهِم } أي من ثواب عملهم { مِن شَىْء } أي شيئاً بأن أعطينا بعض مثوباتهم أبناءهم فتنقص مثوباتهم وتنحط درجتهم وإنما رفعناهم إلى منزلتهم بمحض التفضل والإحسان، وقال ابن زيد: الضمير عائد على الأبناء أي وما نقصنا الأبناء الملحقين من جزاء عملهم الحسن والقبيح شيئاً بل فعلنا ذلك بهم بعد مجازاتهم بأعمالهم كملاً ـ وليس بشيء وإن قال أبو حيان: يحسن هذا الاحتمال قوله تعالى: { كُلُّ ٱمْرِىء بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ } وإلى الأول ذهب ابن عباس وابن جبير والجمهور.

والآية على ما ذهب إليه المعظم في الكبار من الذرية، وقال منذر بن سعيد: هي في الصغار. وروى عن الحبر والضحاك أنهما قالا: إن الله تعالى يلحق الأبناء الصغار وإن لم يبلغوا زمن الإيمان بآبائهم / المؤمنين، وجعل { بِإِيمَانٍ } عليه متعلقاً بألحقنا أي ألحقنا بسبب إيمان الآباء بهم ذريتهم الصغار الذين ماتوا ولم يبلغوا التكليف فهم في الجنة مع آبائهم قيل: وكأن من يقول بذلك يفسر { ٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرّيَّتُهُم } بماتوا ودرجوا على أثرهم قبل أن يبلغوا الحلم، وجوز أن يتعلق { بِإِيمَانٍ } باتبعتهم على معنى اتبعوهم بهذا الوصف بأن حكم لهم به تبعاً لآبائهم فكانوا مؤمنين حكماً لصغرهم وإيمان آبائهم، والصغير يحكم بإيمانه تبعاً لأحد أبويه المؤمن والكل كما ترى.

السابقالتالي
2 3