قوله: { وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ }. قال بعضهم: وزعه إياهم أن يرد أولهم على آخرهم. قال: { حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ } أي: جوارحهم { بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } كقوله:{ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } [يس:65]. لمّا قالوا:{ وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [الأنعام:23] ختم الله على أفواههم وقال للجوارح: انطقن. فأوّل ما يتكلم من أحدهم فخذه. كقوله:{ كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ } [النساء:56]، تأكل النار منهم كل شيء حتى تنتهي إلى الفؤاد، ثم يجدد خلقهم، فثمّ هكذا أبداً. قال: { وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ } [انقطع] ذكر كلامهم ها هنا في هذا الموضع. قال الله عز وجل: { وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } [يقوله للأحياء] { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } أي: يوم القيامة. قال: { وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ } أي: لم تكونوا تستترون من الله { أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ } أي: حتى لا يشهد عليكم سمعكم { وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ }. وقال مجاهد: { وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ } أي: تخفون. { وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ }. ذكروا عن الأعمش عمن حدثه عن عبد الله بن مسعود قال: بينما أنا عبد الكعبة إذ جاء ثلاثة نفر: قرشيان وثقفي، أو ثقفيان وقرشي، كثير شحم بطونهم، قليل فقه قلوبهم، فدخلوا في أستار الكعبة. فتحدثوا حديثاً لم أفقهه؛ فقال بعضهم لبعض: أترون أن الله يسمع ما نقول؟ فقال أحدهم: لا يسمع شيئاً. فقال الآخر: أراكم إذا رفعتم أصواتكم يسمع، وإذا لم ترفعوا أصواتكم لم يسمع، وقال الثالث: لئن كان يسمع منه شيئاً إنه يسمعه كله. قال فأقبلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فأنزل الله: { وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ }. وقوله: (ظَنَنْتُمْ) أي: حسبتم.