الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }

قوله تعالى { لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ } فى هذه الآية بعض العتاب مع اهل الماب بانهم لا يذوبون تحت موارد الخطاب الازلى ولا يفنون فى مشاهدة الصفات ولا يرونها عين الذات فان من حقه ان يكون المخاطب بعد متابعة فانيا عن نفسه وعن الكون فيه ولو كان الجبال مقامه فى الخطاب لتدكدكت الجبال وتدررت وانفلقت الصخور والصم وانهدمت الشامخات والعاديات فى سطوات انواره وهجوم سنا اقداره اذ كل حرف من خطابه اعظم من العرش والكرسى والجنة والنار والاكوان والحدثان وذلك بانها عرفت حقيقية واقرت بالعجز عن حمل هذا الخطاب العظيم حيث قال سبحانه فابين ان يحملها واشفقن منها وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا ظلمه قيامه بازاء القدم وجهله قلة معرفته بحقائق العبودية والربوبية ولا تخض يا اخى فى بحر كلام المتكلمين ان الجبال ليس لها عقل فان هناك ارواحا وعقولا لا يعلمها الا الله قال الله يا جبال اوبى ولولا هناك ما تقبل الخطاب لما خاطبها فان بعض الخطاب ومباشرة الامر تهبط من خشية الله قال الله وان منها لما يشقق فيخرج منه الماء وان منها لما يهبط من خشية الله مكان العلم بالله وبخطابه وفيه اشارة أخرى فى بيان شرف النبى صلى الله عليه وسلم وامته بانهم حملوا ما لم يحملوا الجبال بقوتها يحملونه بذوق الخطاب وكشف النقاب والسرور بالماب فانهم حملوا بهذا الوجه عظائم كلمات لو حلمتها الجبال الشامخات فى برحائها كما قيل
لو ان ما بى بالحصا فلق الحصا   بالريح لم يسمع لهن هبوب
قال ابن عطا اشار الى فضله باوليائه واهل معرفته ان شيئا من الاشياء لا يقوم بصفاته ولا يبقى مع تجليه الا من قوّاه الله على ذلك وهو قلوب العارفين فقاموا له به لا بغيره وهو القائم بهم لا هم وهكذا قال الاستاذ ليس هذا الخطاب على وجه العتاب معهم بل هو على سبيل المدح وبيان تخصيصه اياهم بالقوة فقال لو انزلنا هذا القرأن على جبل لم تطق ولتخشع وهؤلاء خصصتهم بهذه القوة اطاقوا سماع خطابى.