{ فَإِن زَلَلْتُمْ } أي: عن الدخول في السلم { مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْكُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ } أي: الآيات الظاهرة على أنّ ما دعيتم إلى الدخول فيه هو الحقّ { فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ } غالبٌ لا يعجزه الانتقام ممّن زلّ ولا يفوته من ضلّ { حَكِيمٌ } لا ينتقم إلا بحقّ. وقوله: { فَٱعْلَمُوۤاْ... } إلخ نهاية في الوعيد؛ لأنه يجمع من ضروب الخوف ما لا يجمعه الوعيد بذكر العقاب. وربّما قال الوالد لولده: إن عصيتني فأنت عارف بي وأنت تعلم قدرتي عليك وشدة سطوتي. فيكون هذا الكلام - في الزجر - أبلغ من ذكر الضرب وغيره، فظهر تسبب الجزاء في الآية بما أشعر به من الزجر والتهديد على الشرط المشير إلى ذنبهم وجرمهم. هذا، ومن الوجوه المحتملة في الآية، أن يكون { ٱلسِّلْمِ } المذكور فيها معناه الصلح والمسالمة وترك المنازعة والاختلاف. فمعنى:{ ٱدْخُلُواْ فِي ٱلسِّلْمِ } [البقرة: 208]: كونوا متوافقين ومجتمعين في نصرة الدين، ولا تتبعوا خطوات الشيطان بأن يحملكم على طلب الدنيا والمنازعة مع الناس. فتكون الآية حينئذٍ كقوله تعالى:{ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ } [الأنفال: 46]. وقوله:{ وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ } [آل عِمْرَان: 103]، وقوله:{ أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ } [الشورى: 13]. والله أعلم.