قوله تعالى: { كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ } أي: مثل هذا السلك سلكنا الشرك والتكذيب { فِي قُلُوبِ ٱلْمُجْرِمِينَ }. قال الزجاج: جعل الله تعالى مُجازاتهم أن طَبَعَ على قلوبهم وسَلك فيها الشرك. { لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } وذلك عند معاينة سلطان الموت، حيث لا ينفعهم الإيمان. { فَيَأْتِيَهُم } يعني: العذاب الأليم { بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ }. { فَيَقُولُواْ } عند نزوله: { هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ } مُؤَخَّرُون لنُؤمن ونُصدِّق. قال مقاتل: فلما أوعدهم النبي بالعذاب قالوا: فمتى هو؟ تكذيباً واستهزاء، فقال الله تعالى: { أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ } ، استفهام في معنى التبكيت لهم والإنكار عليهم. { أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ } بأعمار ممتدة { سِنِينَ } قال مقاتل: عُمُرَ الدنيا. { ثُمَّ جَآءَهُم مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ } من العذاب. { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ } استفهام في معنى الإنكار، أي: لا يغني عنهم تمتُّعهم شيئاً. قال ميمون بن مهران للحسن البصري: عظني! فقرأ له هذه الآية، فقال له ميمون: لقد وعظتَ فأبلغتَ. قوله تعالى: { وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ } نظير لقوله تعالى:{ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } [الإسراء: 15] إشارة أنه لا يهلكهم حتى يتقدم إليهم بالإنذار على ألسنةِ الرسل. { ذِكْرَىٰ } قال الزمخشري: " ذكرى " منصوبة بمعنى: تذكرة؛ [إما] لأن " أنذر " و " ذكِّر " متقاربان، فكأنه قيل: مُذَكِّرون تذكرة، وإما لأنها حال من الضمير في " منذرون " ، أي: ينذرونهم ذوي تذكرة، وإما لأنها مفعول له؛ على معنى: أنهم ينذرون لأجل الموعظة والتذكرة، أو مرفوعة على أنها خبر مبتدأ محذوف، بمعنى: هذه ذكرى، والجملة اعتراضية، أو صفة بمعنى: منذرون ذوو ذكرى، أو جعلوا ذكرى لإمعانهم في التذكرة وإطنابهم فيها. ووجه آخر: وهو أن تكون " ذكرى " متعلقة بـ " أهلكنا " مفعولاً له. والمعنى: وما أهلكنا من أهل قرية ظالمين إلا بعد ما ألزمناهم الحجة بإرسال المنذرين إليهم، ليكون إهلاكهم تذكرة وعبرة لغيرهم، فلا يعصوا مثل عصيانهم، { وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ } فنهلك قوماً غير ظالمين. قال: وهذا الوجه عليه المعوّل.