الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَـٰتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنْيَا وَٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ }

قلت: { ويوم }: منصوب بقول مقدّر قبل { أذهبتم } أي: يقال هم: أذهبتم طيباتكم يوم عرضكم، أو باذكر، وهو أحسن. يقول الحق جلّ جلاله: { و } اذكر { يومَ يُعْرَضُ الذين كفروا على النار } أي: يُعذّبون بها، من قولهم: عُرض بنو فلان على السيف، إذا قُتلوا به، وقيل المراد: عرض النار عليهم، من قولهم: عرضت الناقة على الحوض، يريدون: عرض الحوض عليها، فقلبوا. وإذا عُرضوا عليها يُقال لهم: { أَذْهبتُمْ طيباتِكُم } أي: أخذتم ما كُتب لكم من حظوظ الدنيا ولذائذها { في حياتكم الدنيا } فقد قدمتم حظكم من النعيم في الدر الفانية قال ابن عرفة: قيل: المراد بالطيبات المستلذات، والظاهر: أن المراد أسباب المستلذات، أي: الأسباب التي تتوصلون بها إلى نيل المستلذات في الدار الآخرة، إذ نسيتموها في الدنيا، أي: تركتموها ولم تفعلوها. هـ. قلت: يُبعده قوله: { واستمتعتم بها } أي: فلم يُبق ذلك لكم شيئاً منها، بل قدمتم جنتكم في دنياكم. وعن عمر رضي الله عنه: لو شئتُ كنتُ أطيبَكم طعاماً، وألينكم لباساً، ولكني أستبقي طيباتي. ولما قَدِم الشامَ صُنعَ له طعامٌ لم يُر قبله مثله، قال: هذا لنا، فما للفقراء المسلمين الذين ماتوا وهم لا يشبعون خبز الشعير؟ قال خالد، لهم الجنة، فاغروْرقتْ عينا عمر وبكى، وقال: لئن كان حظنا من الحطام، وذهبوا بالجنة، لقد باينونا بوناً بعيداً، وقال أبو هريرة رضي الله عنه: إنما كان طعامنا مع النبي صلى الله عليه وسلم الماء والتمر، والله ما كان نرى سمراءَكم هذه، وقال أبو موسى: ما كان لباسنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا الصوف. ورُوي: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم دخل على أهل الصُّفة، وهم يرقعون ثيابهم بالأدَم، ما يجدون لها رقعاً، فقال: " أنتم اليوم خيرٌ أم يومَ يغدوا أحدكم في حُلة، ويروح في أخرى، ويُغدا عليه بجفنة ويُراح بأخرى، ويُسترُ بيته كما تُستر الكعبة "؟ قالوا: نحن يومئذ خير، فقال لهم: " بل أنتم اليوم خير ". وقال عمرو بن العاص: كنت أتغدّى عند عمر الخبزَ والزيتَ، والخبز والخل، والخبز واللبن، والخبز والقديد، وأجلّ ذلك اللحم الغريض، وكان يقول: لا تنخلوا الدقيق، فإنه كله طعامٌ، ثم قال عمر رضي الله عنه: والله الذي لا إله إلا هو، لولا أني أخاف أن تنقص حسناتي يوم القيامة لشاركتهم في العيش! ولكني سمعتُ اللّهَ يقول لقوم: { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها }. هـ. { فاليوم تُجزونَ عذابَ الهُونِ } أي: الهوان، وقرئ به، { بما كنتم } في الدنيا { تستكبرون في الأرض بغير الحق } بغير استحقاق لذلك، { وبما كنتم تَفْسُقون } وتخرجون عن طاعة الله عزّ وجل، أي: بسبب استكباركم وفسقكم.

السابقالتالي
2