قوله تعالى: { وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } قال الزجاج: فيه محذوف، تقديره: وما أرسلنا قبلك [رسلاً] من المرسلين، فحذفت " رسلاً "؛ لأن قولك: " من المرسلين " يدل عليها. { إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي ٱلأَسْوَاقِ } قال الزجاج: هذا احتجاج عليهم في قولهم:{ مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي ٱلأَسْوَاقِ } [الفرقان: 7]، فقيل لهم: كذلك كان مَنْ خَلا من الرسل، فكيف يكون محمدٌ بِدْعاً منهم؟. فإن قيل: لم كُسرت " إنّ " في قوله: { إِلاَّ إِنَّهُمْ }؟ قلتُ: قد أجاب عن ذلك ابن الأنباري بجوابين: أحدهما: أن تكون فيها واو الحال مضمرة، فكُسرت بعدها " إنّ " للاستئناف، فيكون التقدير: إلا وإنّهم ليأكلون الطعام، فأُضمرت الواو كما أُضمرت في قوله:{ أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ } [الأعراف: 4]، والتأويل: أو وهم قائلون. والثاني: أن تكون كُسرت لإضمار " مَنْ " قبلها، فيكون التقدير: وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا من إنهم ليأكلون. قال الشاعر:
فظلُّوا ومنهُم دَمْعُهُ سابقٌ له
.........................
أراد: مَنْ دَمْعُه. قوله تعالى: { وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً } أي: ابتلاء واختباراً، فأبلينا الفقير بالغني، والأعمى بالبصير، والسقيم بالصحيح. هذا قول الحسن. وقال غيره: هو ابتلاء الشريف بالوضيع، والعربي بالمولى، فإذا أراد الشريف أن يُسْلِم ورأى الوضيع قد أَسْلَمَ قبله أنِفَ وقال: أُسْلِم [فتكونُ] له السابقة والفضل عليَّ، فيقيم على كُفره. فذلك افتتان بعضهم ببعض، وهذا اختيار الفراء والزجاج. وقال مقاتل: هذا في ابتلاء فقراء المؤمنين بالمستهزئين من قريش، كانوا يقولون: انظروا إلى هؤلاء الذين اتبعوا محمداً من موالينا ورذالتنا، فقال الله تعالى [لهؤلاء] الفقراء الضعفاء: { أَتَصْبِرُونَ } يعني: على الأذى والاستهزاء. وعلى قول الحسن: يكون الخطاب للفقير والأعمى والسقيم. وعلى القول الآخر: الخطاب للرؤساء، على معنى: أتصبرون على سبق الموالي والأتْبَاع. وحقيقة هذا الاستفهام: الطلب واستدعاء الصبر منهم. { وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً } بمن يصبر ويجزع.