لَمَّا بَشره في السورة بإنزال القرآن عليه، وذكر ما يترتب عليه، أمره بإنذار الكفار وتهديدهم بما يؤلون إليه فقال: { بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ * يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ }: المتدثر المتلفف بالثياب عند نزول الوحي خوفا، والدثار ما فوق الشعار، وهو ما يلي الجسد { قُمْ }: قيام جد { فَأَنذِرْ }: الكفار { وَ }: أما { رَبَّكَ فَكَبِّرْ }: خصصه بالكبرياء { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ }: عن النجاسة، أو قصِّر، أو أصلح أخلاقك { وَٱلرُّجْزَ }: بالكسر أي: العذاب أي: موجبة وبالضم هو أو الأوثان { فَٱهْجُرْ }: دم على هجرته { وَلاَ تَمْنُن }: تعط وأنت { تَسْتَكْثِرُ }: أي: تطلب أكثريته وهذا من خصائصه، وقيل: مطلق العوض { وَلِرَبِّكَ } أي: لتكاليفه { فَٱصْبِرْ * فَإِذَا نُقِرَ }: نفخ { فِي ٱلنَّاقُورِ }: أي: الصور ثانية { فَذَلِكَ }: الوقت { يَوْمَئِذٍ }: بدل منه { يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى ٱلْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ }: لا على المؤمنين { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ }: خلقته { وَحِيداً }: بلا أهل ومال، يعني: وليد بن المغيرة { وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً }: مبسوطات { وَبَنِينَ }: عشرة { شُهُوداً }: حاضرين لاستغنائهم عن السفر والتجارة { وَمَهَّدتُّ }: بسطتُّ { لَهُ }: في النّعم { تَمْهِيداً * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ }: على ذلك { كَلاَّ }: ردع عن طمعه { إِنَّهُ كان لآيَاتِنَا }: القرآن { عَنِيداً }: معاندا، ثم ما زال بعد نزولها ينقص ماله حتى هلك { سَأُرْهِقُهُ }: أكلفه { صَعُوداً }: عقبة شاقة المصعد، وهو مثل في الشدائد، أو جبل في النار يكلف صعوده دائما عليه، إذا وضع يده ورجله عليه ذابتها، وإذا رفعهما عادتا { إِنَّهُ فَكَّرَ }: فيما تخيل طعنا في القرآن { وَقَدَّرَ }: من نفسه بالقول فيه { فَقُتِلَ } لعن { كَيْفَ قَدَّرَ } ما لا يصح تقديره { ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ }: في آمر القرآن { ثُمَّ عَبَسَ }: قبض وجهه لما لم يجد فيه طعنا { وَبَسَرَ }: زاد عبوسه { ثُمَّ أَدْبَرَ }: عن الحق { وَٱسْتَكْبَرَ }: عنه، ولما سمع القرآن وأعجبه ومدحه خاف قرش إسلامه، فبالغوا معه أن يطعن فيه، وكان أشعرهم { فَقَالَ إِنْ } ما { هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ }: ينقل عن السحرة، إذ به يفرقه بين الأقرباء فإنَّ من آمن به ترك أقاربه { إِنْ }: أي: ما { هَـٰذَآ إِلاَّ قَوْلُ ٱلْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ }: أدخله { سَقَرَ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ }: كما مر { لاَ تُبْقِي }: شيئا يلقى فيها إلا أحرقته { وَلاَ تَذَرُ }: بعد إحراقه، بل كلما نضجت جلودهم إلى آخره { لَوَّاحَةٌ }: مسودة { لِّلْبَشَرِ } أي: للإنس من الكفرة، أو جمع بشرة، بلي { عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ }: ملكا أعيهم كالبرق، وأنيابهم كالصياصي، وأشعارهم تمس أقدامهم، يخرج لهب النار من أفواههم، قيل: سر عددهم أن الساعات أربع وعشرون، خمسة منها للصلوات الخمس وتسعة عشر لغيرها، أو لأن اختلاف نفوسنا بسبب القوى الحيوانية الإثنا عشرة أي: الحواس والشهوية، والغضبية وبالطبيعية السبع العادية والنامية والمولدة، وخدامها أي: الجاذبة والماسكة، والهاضمة والدافعة، والله تعالى أعلم.