الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }

{ إِنَّآ أَنزَلْنَـٰهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً } وصف له باعتبار الشرف الإضافي. وضمير الغائب للكتاب السابق ذكره فإن كان المراد به القرآن كله كما هو الظاهر المناسب للحال فذاك وإن كان المراد به هذه السورة فتسميته قرآناً لأنه اسم جنس يقع على الكثير والقليل فكما يطلق على الكل يطلق على البعض، نعم إنه غلب على الكل عند الإطلاق معرفاً لتبادره. وهل وصل بالغلبة إلى حد العلمية أولا؟ فيه خلاف، وإلى الأول ذهب البيضاوي قدس سره فتلزمه الألف واللام ومع ذلك لم يهجر المعنى الأول، ووقع في كتب الأصول أنه وضع تارة للكل خاصة وأخرى لما يعمه، والبعض أعني الكلام المنقول في المصحف تواتراً، ونظر فيه بأن الغلبة ليس لها وضع ثان وإنما هي تخصيص لبعض أفراد الموضوع له، ولذا لزمت العلم بها اللام أو الإضافة إلا أن يدعى أن فيها وضعاً تقديرياً كذا قيل؛ وممن صرح ـ بأن التعيين بالغلبة قسيم للتعيين بالوضع ـ العلامة الزرقاني وغيره لكن تعقبه الحمصي فقال: إن دلالة الأعلام بالغلبة على تعيين مسماها بالوضع وإن كان غير الوضع الأول فليتأمل.

وعن الزجاج وابن الأنباري أن الضمير لنبأ يوسف وإن لم يذكر في النظم الكريم، وقيل: هو للإنزال المفهوم من الفعل، ونصبه على أنه مفعول مطلق، و { قُرْآناً } هو المفعول به، والقولان ضعيفان كما لا يخفى، ونصب { قُرْآناً } على أنه حال وهو بقطع النظر عما بعده وعن تأويله بالمشتق حال موطئة للحال التي هي { عَرَبِيّاً } وإن أول بالمشتق أي مقروءاً فحال فير موطئة؛ و { عَرَبِيّاً } إما صفته على رأي من يجوز وصف الصفة، وإما حال من الضمير المستتر فيه على رأي من يقول بتحمل المصدر الضمير إذا كان مؤولا باسم المفعول مثلاً، وقيل: { قُرْآناً } بدل من الضمير، و { عَرَبِيّاً } صفته، وظاهر صنيع أبـي حيان يقتضي اختياره.

ومعنى كونه / { عَرَبِيّاً } أنه منسوب إلى العرب باعتبار أنه نزل بلغتهم وهي لغة قديمة. أخرج ابن عساكر في «التاريخ» عن ابن عباس أن آدم عليه السلام كان لغته في الجنة العربية فلما أكل من الشجرة سلبها فتكلم بالسريانية فلما تاب ردّها الله تعالى عليه، وقال عبد الملك بن حبيب: كان اللسان الأول الذي هبط به آدم عليه السلام من الجنة عربياً إلى أن بعد وطال العهد حرف وصار سريانياً وهو منسوب إلى أرض سورية وهي أرض الجزيرة وبها كان نوح عليه السلام وقومه قبل الغرق، وكان يشاكل اللسان العربـي إلا أنه محرف وكان أيضاً لسان جميع من في السفينة إلا رجلاً واحداً يقال له: جرهم فإنه كان لسانه العربـي الأول فلما خرجوا من السفينة تزوج إرم بن سام بعض بناته وصار اللسان العربـي في ولده عوص أبـي عاد وعبيل وجاثر أبـي ثمود وجديس، وسميت عاد باسم جرهم لأنه كان جدّهم من الأم وبقي اللسان السرياني في ولد أرفخشد بن سام إلى أن وصل إلى قحطان من ذريته وكان باليمن فنزل هناك بنوا إسماعيل عليه السلام فتعلم منهم بنو قحطان اللسان العربـي.

السابقالتالي
2 3 4 5 6