الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ ٱلْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ ٱللَّهِ فَأَتَاهُمُ ٱللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي ٱلْمُؤْمِنِينَ فَٱعْتَبِرُواْ يٰأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ }

{ هو الذى } اوست خداوندى كه ازروى اذلال { اخرج الذين كفروا من اهل الكتاب } بيان لبعض آثار عزته واحكام حكمته اى امر باخراج اهل التوراة يعنى بنى النضير { من ديارهم } جمع دار والفرق بين الدار والبيت ان الدار دار وان زالت حوآئطها والبيت ليس بيت بعدما انهدم لان البيت اسم مبنى مسقف مدخله من جانب واحد بنى للبيتوتة سوآء كان حيطانه اربعة او ثلاثة وهذا المعنى موجود فى الصفة الا ان مدخلها واسع فيتناولها اسم البيت والبيوت بالمسكن اسم اخص والابيات بالشعر كما فى المفردات { لاول الحشر } اللام تتعلق باخرج وهى للتوقيت اى عند او حشرهم الى الشأم وفى كشف الاسرار اللام لام العلة اى اخرجوا ليكن حشرهم الشام اول الحشر والحشر اخراج جمع من مكان الى آخر وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء قط اذ كان انتقالهم من بلاد الشأم الى جانب المدينة عن اختيار منهم وهم اول من اخرج به جزيرة العرب الى الشأم فعلى هذا الوجه ليس الاول مقابلا للآخر وسميت جزيرة لانه أحاط بها بحر الحبشة وبحر فارس ودجلة والفرات قال الخليل بن احمد مبدأ الجزيرة من حفر أبى موسى الى اليمن فى الطول ومن رمل يبرين وهو موضع بحذآء الاحساء الى منقطع السماوة فى العرض والسماوة بالفتح موضع بين الكوفة والشأم او هذا اول حشرهم وآخر حشرهم اجلاء عمر رضى الله عنه اياهم من خيبر الى الشام وذلك حين بلغه الخبر عن النبى عليه السلام " لايبقين دينان فى جزيرة العرب " وقيل آخر حشرهم حشر يوم القيامة لان المحشر يكون بالشأم { ماظننتم } أيها المسلمون { ان يخرجوا } من ديارهم بهذا الذل والهوان لشدة بأسهم ووثاقة حصونهم وكثرة عددهم وعددهم { وظنوا } اى هؤلاء الكافرون ظنا قويا هو بمرتبة اليقين فانه لايقع الا بعد فعل اليقين او مانزل منزلته { انهم مانعتهم حصونهم من الله } الحصون جمع حصن بالكسر وهو كل موضع حصين لايوصل الى جوفه والقلعة الحصن الممتنع على الجبل فالاول اعم من الثانى وتحصن اذا اتخذ الحصن مسكنا ثم تجوزه فقيل درع حصينة لكونها حصنا للبدن وفرس حصان لكونه حصنا لراكبه والمعنى ظنوا ان حصونهم تمنعهم من بأس الله وقهره وقدم الخبر وأسند الجملة الى ضميرهم للدلالة على فرط وثوقهم بحصانتها واعتقادهم فى انفسهم انهم فى عزة ومنعة لايبالى بسببها فتقديم المسند يفيد قصر المسند اليه على المسند فان معنى قائم زيد أن زيدا مقصور على القيام لايتجاوزه الى القعود وكذا معنى الآية ان حصونهم ليس لها صفة غير المانعية ويجوز أن يكون مانعتهم خبرا لأن وحصونهم مرتفعا على الفاعلية لاعتماده على المبتدأ فان قيل ما المانع من جعل مانعتهم مبتدأ وحصونهم خبرا فان كليهما معرفة قلت كون مانعتهم نكرة لان اضافتها غير مخصصة وان القصد الى الاخبار عن الحصون { فأتاهم الله } اى امر الله وقدره المقدور لهم { من حيث لم يحتسبوا } ولم يخطر ببالهم وهو قتل رئيسهم كعب من الاشرف غرة على يد اخيه فانه مما أضعف قوتهم وقل شوكتهم وسلب قلوبهم الأمن والطمأنينة بما قذف فيها من الرعب والفاء اما للتعقيب اشارة الى أن البأس لم يكن متراخيا عن ظنهم او للسبب اشارة الى انهم انما أخذوا بسبب اعجابهم بأنفسهم وقطعهم النظر الى قدرة الله وقوته { وقذف فى قلوبهم الرعب } القذف الرمى البعيد والمراد هنا الالقاء قال فى الكشاف قذف الرعب واثباته وركزه ومنه قالوا فى صفة الاسد مقذف لما ان قذف باللحم قذفا لا كتنازه وتداخل اجزآئه والرعب الانقطاع من امتلاء الخوف ولتصور الامتلاء منه قيل رعبت الحوض اى ملأته وباعتبار القطع قيل رعبت السنام اى قطعته قال بعضهم الرعب خوف يملأ القلب فيغير العقل ويعجز النفس ويشوش الرأى ويفرق التدبير ويضر البدن والمعنى أثبت فيها الخوف الذى يرعبها ويملأها لان المعتبر هو الثابت وماهو سريع الزوال فهو كغير الواقع وقال بعضهم فلا يلزم التكرار لان الرعب الذى اشتمله قوله { فأتاهم الله } هو أصل الرعب وفرق بين حصول اصله وبين ثباته ودلت الآية على ان وقوع ذلك الرعب صار سببا فى اقدامهم على بعض الافعال وبالجملة فالفعل لايحصل الا عند حصول داعية متاكدة فى القلب وحصول تلك الداعية لايكون الا من الله فكانت الافعال بأسرها مستندة الى الله بهذا الطريق كذا فى اللباب { يخربون بيوتهم بأيديهم } الجملة استئناف لبيان حالهم عند الرعب اى يخربونها بأيديهم ليسدوا بما نقضوا منها من الخشب والحجارة افواه الأزقة ولئلا تبقى بعد جلائهم مساكن للمسلمين ولينقلبوا معهم بعض آلاتها المرغوب فيها مما يقبل النقل والاخراب والتخريب واحد يقال خرب المكان خرابا وهو ضد العمارة وقد اخربه وخربه اى افسده بالنقض والهدم غير أن فى التشديد مبالغة من حيث التكثير لكثرة البيوت وهو قرآءة أبى عمرو وفرق أبى عمرو بين الاخراب والتخريب فقال خرب بالتشديد بمعنى هدم ونقض وافسد واخرب بالهمزة ترك الموضع وقال اى ابو عمرو وانما اخترت التشديد لان الاخراب ترك الشىء خرابا بغير ساكن وبنوا النضير لم يتركوها خرابا وانما خربوها بالهدم كما يدل عليه قوله { بأيديهم وأيدى المؤمنين } ان قيل البيوت هى الديار فلم يقل يخربون ديارهم على وفق ماسبق وايضا كيف ماكان الاخراج من ديارهم وهى مخربة أجيب بان الدار ماله بيوت فيجوز اخراب بعضها وابقاء بعضها على مقتضى الرأى فيكون الخروج من الباقى على ان الاخراج لايقتضى العمارة اذ يجوز أن يكون باخراب المساكن والطرح منها قال سهل رحمه الله يخربون بيوتهم بأيديهم اى قلوبهم بالبدع وفى كشف الاسرار نخست دين ودل خويش ازروى باطن خراب كردند تا خرابى باطن بظاهر سرايت كرد وخانه خد نيز خراب كردند { وأيدى المؤمنين } حيث كانوا يخربونها ازالة لمتحصنهم ومتمنعهم وتوسيعا لمجال القال واضرارا بهم واسناد هذا اليهم لما انهم السبب فيه فكأنهم كلفوهم اياه وامروهم به وهذا كما فى قوله عليه السلام

السابقالتالي
2