قوله تعالى: { لا أُقسِم بيومِ القيامةِ } اختلفوا في " لا " المبتدأ بها في أول الكلام على ثلاثة أقاويل: أحدها: أنها صلة دخلت مجازاً ومعنى الكلام أقسم بيوم القيامة، قاله ابن عباس وابن جبير وأبو عبيدة، ومثله قول الشاعر:
تَذكّرْت ليلى فاعْتَرْتني صَبابةٌ
وكاد ضمير القلْبِ لا يتَقطّع.
الثاني: أنها دخلت توكيداً للكلام كقوله: لا والله، وكقول امرىء القيس:
فلا وأبيكِ ابنةَ العامريّ
لا يدّعي القوم أني أَفِرْ.
قاله أبو بكر بن عياش. الثالث: أنها رد لكلام مضى من كلام المشركين في إنكار البعث، ثم ابتدأ القسم فقال: أقسم بيوم القيامة، فرقاً بين اليمين المستأنفة وبين اليمين تكون مجدداً، قاله الفراء. وقرأ الحسن: لأقْسِمُ بيوم القيامة، فجعلها لاماً دخلت على ما أُقسم إثباتاً للقسم، وهي قراءة ابن كثير. { ولا أُقْسِم بالنّفْسِ اللوّامةِ } فيه وجهان: أحدهما: أنه تعالى أقسم بالنفس اللوامة كما أقسم بيوم القيامة فيكونان قَسَمَيْن، قاله قتادة. الثاني: أنه أقسم بيوم القيامة ولم يقسم بالنفس اللوامة، قاله الحسن، ويكون تقدير الكلام: أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة. وفي وصفها باللوامة قولان: أحدهما: أنها صفة مدح، وهو قول من جعلها قسماً: الثاني: أنها صفة ذم، وهو قول من نفى أن يكون قسماً. فمن جعلها صفة مدح فلهم في تأويلها ثلاثة أوجه: أحدها: أنها التي تلوم على ما فات وتندم، قاله مجاهد، فتلوم نفسها على الشر لم فعلته، وعلى الخير أن لم تستكثر منه. الثاني: أنها ذات اللوم، حكاه ابن عيسى. الثالث: أنها التي تلوم نفسها بما تلوم عليه غيرها. فعلى هذه الوجوه الثلاثة تكون اللوامة بمعنى اللائمة. ومن جعلها صفة ذم فلهم في تأويلها ثلاثة أوجه: أحدها: أنها المذمومة، قاله ابن عباس. الثاني: أنها التي تلام على سوء ما فعلت. الثالث: أنها التي لا صبر لها على محن الدنيا وشدائدها، فهي كثيرة اللوم فيها، فعلى هذه الوجوه الثلاثة تكون اللوامة بمعنى الملومة. { أيَحْسَب الإنسان } يعني الكافر. { أنْ لن نَجْمَعَ عِظامَه } فنعيدها خلقاً جديداً بعد أن صارت رفاتاً. { بلى قادِرينَ على أنْ نُسوّيَ بَنانه } في قوله " بلى " وجهان: أحدهما: أنه تمام قوله " أن لن نجمع عظامه " أي بلى نجمعها، قاله الأخفش. الثاني: أنها استئناف بعد تمام الأول بالتعجب بلى قادرين، الآية وفيه وجهان: أحدهما: بلى قادرين على أن نسوي مفاصله ونعيدها للبعث خلقاً جديداً، قاله جرير بن عبد العزيز. الثاني: بلى قادرين على أن نجعل كفه التي يأكل بها ويعمل حافر حمار أو خف بعير، فلا يأكل إلا بفيه، ولا يعمل بيده شيئاً، قاله ابن عباس وقتادة.