الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَدْ فَرَضَ ٱللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَٱللَّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ }

{ قَدْ فَرَضَ ٱللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ } أي: شرع تحليلها - وهو حل ما عقدته - بالكفارة. والتحلة: مصدر بمعنى: التحليل. { وَٱللَّهُ مَوْلاَكُمْ } أي: متولي أموركم { وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ } أي: بمصالحكم { ٱلْحَكِيمُ } أي: في تدبيره إياكم بما شرعه وحكم به.

تنبيهات

الأول: قال ابن قدامة في (الروضة): دلت الآية على أن حكم خطابه صلى الله عليه وسلم لا يختص به؛ لأنه لما عاتبه في تحريم ما أحل له قال عقيبه: { قَدْ فَرَضَ ٱللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ } وابتدأ الخطاب بمناداته وحده، ثم تممه بلفظ الجمع بقوله:يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ } [الطلاق: 1]. والمسألة طويلة الذيل في الأصول.

الثاني: قال تقي الدين ابن تيمية: التحلة: مصدر حللت الشيء تحليلاً وتحلة، كما يقال: كرمته تكريماً وتكرمة، وهذا المصدر يسمى به المحلل نفسه، الذي هو الكفارة. فإن أريد المصدر، فالمعنى: فرض الله لكم تحليل اليمين، وهو حلها الذي هو خلاف العقد.

ولهذا استدل من استدل من أصحابنا وغيرهم كأبي بكر عبد العزيز، بهذه الآية على التكفير قبل الحنث؛ لأن التحلة لا تكون بعد الحنث، فإنه بالحنث ينحل اليمين، وإنما تكون التحلة إذا أخرجت قبل الحنث لينحل اليمين، وإنما هي بعد الحنث كفارة؛ لأنها كفرت ما في الحنث من سبب الإثم لنقض عهد الله. فإذا تبين أن ما اقتضت اليمين من وجوب الوفاء بها، رفعه الله عن هذه الأمة بالكفارة التي جعلها بدلاً من الوفاء في جملة ما رفعه عنها من الآصار.

الثالث: شمل قوله تعالى: { أَيْمَانِكُمْ } تحريم الحلال المذكور قبل، وهو الزوجة، لدخوله فيه دخولاً أولياً، بل كل يمين.

قال تقي الدين ابن تيمية في فتاويه: قوله تعالى: { قَدْ فَرَضَ ٱللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ } نص عام في كل يمين يحلف بها المسلمون، أن الله قد فرض لها تحلة. وذكره سبحانه بصيغة الخطاب للأمة بعد تقدم الخطاب بصيغة الإفراد للنبي صلى الله عليه وسلم، مع علمه سبحانه بأن الأمة يحلفون بأيمان شتى: فلو فرض يمين واحدة ليس لها تحلة، لكان مخالفاً للآية. كيف وهذا عام لم تخص فيه صورة واحدة، لا بنص ولا بإجماع، بل هو عام عموماً معنوياً، مع عمومه اللفظي؟ فإن اليمين معقود يوجب منع المكلف من الفعل. فشرع التحلة لهذه العقدة مناسب لما فيه من التخفيف والتوسعة، وهذا موجود في اليمين بالعتق والطلاق، أكثر منه في غيرهما من أيمان نذر اللجاج والغضب، فإن الرجل إذا حلف بالطلاق ليقتلن النفس، أو ليقطعن رحمه، أو ليمنعن الواجب عليه من أداء أمانة ونحوها، فإنه يجعل الطلاق عرضة ليمينه، أن يبر ويصلح بين الناس، أكثر مما يجعل الله عرضة. ثم إن وفى بيمينه كان عليه من ضرر الدنيا والدين ما قد أجمع المسلمون على تحريم الدخول فيه.

السابقالتالي
2 3 4