قال الله تعالى: { إِنَّ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لأيَٰتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ } يجوز أن يكون على ظاهره. وقال الزجاج: المعنى -والله تعالى أعلم-: إن في خلق السموات والأرض، ويدل عليه قوله تعالى: { وَفِي خَلْقِكُمْ }. والمعنى: وفي خلقكم من تراب ثم نطفة إلى أن يتكامل خلق الإنسان وينفخ فيه الروح { وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ } عطف على " الخلق " المضاف، لا على المضاف إليه؛ لأنهم يستقبحون عطف المُظْهَر على المُضْمَر المجرور. وقد ذكرنا علة ذلك في أول النساء. قرأ حمزة والكسائي: " آياتٍ لقومٍ يوقنون " و " آياتٍ لقومٍ يعقلون " بالنصب فيهما. وقرأ الباقون " آياتٌ " بالرفع فيهما. قال الزجاج وأبو علي وغيرهما: من قرأ برفع " الآيات " ، فإن الرفع من وجهين: أحدهما: العطف على موضع " إنَّ " وما عملت فيه؛ لأن موضعها رفع بالابتداء، فيحمل الرفع فيه على الموضع. والآخر: أن يكون مستأنفاً ويكون الكلام جملة معطوفة على جملة، فيكون قوله تعالى -على هذا- { ءَايَٰتٌ }: مرتفعاً بالابتداء، أو بالظرف في قول من رأى الرفع به. وأما حمزة والكسائي فإنهما حملا على لفظ " إنّ " دون موضعها، حَمَلاَ " آيات " في الموضعين على نصب " إنَّ " في قوله تعالى: { إِنَّ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لأيَٰتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ } ، ومما يؤكد قراءتهما وأنّ " آيات " محمولة على ما ذكرهن في بعض القرآن بثلاث لامات؛ { وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ ءَايَٰتٌ } ، وكذلك الموضعان الآخران؛ لأن هذه اللام إنما تدخل على خبر " إنَّ " أو على اسمها. فأما قوله تعالى: { وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَآ أَنَزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَّن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } يسلم الكلام من العطف على عاملين، وجاز حذف " في " هاهنا، وهي مرادة؛ لتقدم ذكرها في قوله تعالى: { إِنَّ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } ، وفي قوله تعالى: { وَفِي خَلْقِكُمْ } فلما تقدم ذكرها في الموضعين قدّر إثباتها وإن كانت محذوفة، كما قدر سيبويه في قوله:
أكل امرئ تحسبين امرءاً
ونارٍ تَوقَّدُ بالليل نارا
أن " كلّ " في حكم الملفوظ به، واستغني عن إظهاره بتقدُّم ذكره. وفي قراءة ابن مسعود: " وفي اختلاف الليل والنهار " ، وقد سبق تقدير الاثنين في سورة البقرة.