واختلفوا في معنى { ص } على سبعة أقوال: أحدها: أنه قَسَم أَقسم اللهُ به، وهو من أسمائه، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. والثاني: أنه بمعنى صَدَقَ محمدٌ، رواه عطاء عن ابن عباس. والثالث: صَدَقَ اللهُ، قاله الضحاك. وقد روي عن ابن عباس أنه قال: معناه صادق فيما وَعََدَ. وقال الزجاج: معناه: الصادقُ اللهُ تعالى. والرابع: أنه اسم من أسماء القرآن، أَقسَمَ اللهُ به، قاله قتادة. والخامس: أنه اسم حَيَّة رأسُها تحت العرش وذَنَبُها تحت الأرض السُّفلى، حكاه أبو سليمان الدمشقي، وقال: أظنه عن عكرمة. والسادس: أنه بمعنى: حادِثِ القرآن، أي: انظُر فيه، قاله الحسن، وهذا على قراءة من كسروا، منهم ابن عباس، [والحسن]، وابن أبي عبلة. قال ابن جرير: فيكون المعنى: صادِ بِعَمَلِكَ القرآن، أي: عارِضْه. وقيل: اعْرَضْه على عملك، فانظُر أين هو [منه]. والسابع: أنه بمعنى: صادَ محمدٌ قلوبَ الخَلْق واستمالها حتى آمَنوا به وأَحَبُّوه. حكاه الثعلبي، وهذا على قراءة من فتح. وهي قراءة أبي رجاء، وأبي الجوزاء، وحميد، ومحبوب عن أبي عمرو. قال الزجاج: والقراءة " صادْ " ، بتسكين الدال، لأنها من حروف التَّهجِّي، وقد قُرئتْ بالفتح وبالكسر، فمن فتحها، فعلى ضربين: أحدهما: لالتقاء الساكنين. والثاني: على معنى: أُتْلُ " صاد " ، ويكون [صاد] اسماً للسورة لاينصرف؛ ومن كسر، فعلى ضربين: أحدهما: لالتقاء الساكنين أيضاً. والثاني: على معنى: صادِ القرآن بعملك، من قولك: صَادَى يُصَادِي: إِذا قابَل وعادَل، يقال: صادَيْتُه: إِذا قابَلْته. قوله تعالى: { ذِي الذِّكْرِ } في المراد بالذِّكْر ثلاثة أقوال: أحدها: أنه الشَّرَف، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير، والسدي. والثاني: البيان، قاله قتادة. والثالث: التذكير، قاله الضحاك. فإن قيل: أين جواب القسَم بقوله: { ص والقرآنِ ذِي الذِّكْرِ }؟ فعنه خمسة أجوبة: أحدها: أن " ص " جواب لقوله: { والقرآن } ، فـ { ص } في معناها، كقولك: وَجَبَ واللهِ، نَزَلَ واللهِ، حَقٌّ واللهِ، قاله الفراء، وثعلب. والثاني: أن جواب { ص } قوله { كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِم مِنْ قَرْنٍ } ، ومعناه: لَكَمْ. فلمّا طال الكلام، حُذفت اللامُ، ومِثله:{ والشَّمْسِ وضُحاها } [الشمس: 1]{ قد أَفْلَحَ } [الشمس: 9]، فإن المعنى: لقد أَفْلَحَ، غير أنه لمّا اعترض بينهما كلام، تبعه قوله: { قد أَفْلَحَ } ، حكاه الفراء، وثعلب أيضاً. والثالث: أنه قوله:{ إِنْ كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرُّسُلَ } [ص:14]، حكاه الأخفش. والرابع: أنه قوله:{ إِنَّ ذلكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النّارِ } [ص: 64]، قاله الكسائي. وقال الفراء: لا نجده مستقيماً في العربية، لِتأخُّره جداً عن قوله { والقرآنِ }. والخامس: أن جوابه محذوف، تقديره: والقرآنِ ذي الذِّكْر ما الأَمْرُ كما يقول الكُفَّار، ويدل على هذا المحذوف قولُه { بَلِ الذين كَفَروا في عِزَّةٍ وشقاقٍ } ، ذكره جماعة من المفسرين، وإِلى نحوه ذهب قتادة.