الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَٰتِ وَٱلنُّورَ ثْمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } * { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَىۤ أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ }

هذا إخبار عن حمده والثناء عليه بصفات الكمال، ونعوت العظمة والجلال عموماً، وعلى هذه المذكورات خصوصاً. فحمد نفسه على خلقه السماوات والأرض، الدالة على كمال قدرته، وسعة علمه ورحمته، وعموم حكمته، وانفراده بالخلق والتدبير، وعلى جعله الظلمات والنور، وذلك شامل للحسي من ذلك كالليل والنهار والشمس والقمر. والمعنوي، كظلمات الجهل والشك، والشرك والمعصية، والغفلة، ونور العلم والإيمان واليقين والطاعة، وهذا كله يدل دلالة قاطعة أنه تعالى هو المستحق للعبادة وإخلاص الدين له، ومع هذا الدليل ووضوح البرهان { ثْمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } أي يعدلون به سواه، يسوونهم به في العبادة والتعظيم، مع أنهم لم يساووا الله في شيء من الكمال، وهم فقراء عاجزون ناقصون من كل وجه. { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن طِينٍ } وذلك بخلق مادتكم وأبيكم آدم عليه السلام. { ثُمَّ قَضَىۤ أَجَلاً } أي: ضرب لمدة إقامتكم في هذه الدار أجلاً، تتمتعون به وتمتحنون، وتبتلون بما يرسل إليكم به رسله.لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } [هود: 7] ويعمركم ما يتذكر فيه مَنْ تذكر. { وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ } وهي: الدار الآخرة، التي ينتقل العباد إليها من هذه الدار، فيجازيهم بأعمالهم من خير وشر. { ثُمَّ } مع هذا البيان التام وقطع الحجة { أَنتُمْ تَمْتَرُونَ } أي: تشكون في وعد الله ووعيده، ووقوع الجزاء يوم القيامة. وذكر الله الظلمات بالجمع، لكثرة موادها وتنوع طرقها. ووحد النور لكون الصراط الموصلة إلى الله واحدة لا تعدد فيها، وهي: الصراط المتضمنة للعلم بالحق والعمل به، كما قال تعالى:وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } [الأنعام: 153].