الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُنْذِرِينَ }

{ عَلَىٰ قَلْبِكَ } متعلق بنزل لا بالأمين. والمراد بالقلب إما الروح وهو أحد إطلاقاته كما قال الراغب. وكون الإنزال عليه على ما قال غير واحد لأنه المدرك والمكلف دون / الجسد. وقد يقال: لما كان له صلى الله عليه وسلم جهتان جهة ملكية يستفيض بها وجهة بشرية يفيض بها جعل الإنزال على روحه صلى الله عليه وسلم لأنها المتصفة بالصفات الملكية التي يستفيض بها من الروح الأمين. وللإشارة إلى ذلك قيل { عَلَىٰ قَلْبِكَ } دون عليك الأخصر. وقيل: إن هذا لأن القرآن لم ينزل في الصحف كغيره من الكتب، وإما العضو المخصوص وهو الإطلاق المشهور. وتخصيصه بالإنزال عليه قيل للإشارة إلى كمال تعقله صلى الله عليه وسلم وفهمه ذلك المنزل حيث لم تعتبر واسطة في وصوله إلى القلب الذي هو محل العقل كما يقتضيه ظاهر كثير من الآيات والأحاديث ويشهد له العقل على ما لا يخفى على من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. وقد أطال في الانتصار لذلك الإمام [الرازي] في «تفسيره». ورد على من ذهب إلى أن الدماغ محل العقل، وقيل: للإشارة إلى صلاح قلبه عليه الصلاة والسلام وتقدسه حيث كان منزلاً لكلامه تعالى ليعلم منه حال سائر أجزائه صلى الله عليه وسلم فإن القلب رئيس جميع الأعضاء وملكها ومتى صلح الملك صلحت الرعية وفي الحديث: " ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب " ، وقد يقال: يجوز أن يكون التخصيص لأن الله تعالى جعل لقلب رسوله صلى الله عليه وسلم سمعاً مخصوصاً يسمع به ما ينزل عليه من القرآن تمييزاً لشأنه على سائر ما يسمعه ويعيه على حد ما قيل وذكره النووي في «شرح صحيح مسلم» في قوله تعالى:مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ } [النجم: 11] من أن الله عز وجل جعل لفؤاده عليه الصلاة والسلام بصراً فرآه به سبحانه ليلة المعراج. وهذا كله على القول بأن جبرائيل عليه السلام ينزل بالألفاظ القرآنية المحفوظة له بعد أن نزل القرآن جملة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة أو التي يحفظها من اللوح عند الأمر بالإنزال أو التي يوحي بها إليه أو التي يسمعها منه سبحانه على ما قاله بعض أجلة السلف عنده فيلقيها إلى النبـي صلى الله عليه وسلم على ما هي عليه من غير تغيير أصلاً. وكذا على القول بأن جبرائيل عليه السلام ألقى عليه المعاني القرآنية وأنه عبر عنها بهذه الألفاظ العربية ثم نزل بها كذلك فألقاها إلى النبـي صلى الله عليه وسلم. وأما على القول بأنه عليه السلام إنما نزل بالمعاني خاصة إلى النبـي عليه الصلاة والسلام وأنه عليه الصلاة والسلام علم تلك المعاني وعبر عنها بلغة العرب فقيل: إن القلب بمعنى العضو المخصوص لا غير وتخصيصه لأن المعاني إنما تدرك بالقوة المودعة فيه، وقيل: يجوز أن يراد به الروح وروحه عليه الصلاة والسلام لغاية تقدسها وكمالها في نفسها تدرك المعاني من غير توسط آلة.

السابقالتالي
2 3 4 5