الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِلاَّ مَنِ ٱسْتَرَقَ ٱلسَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ }

{ إِلاَّ مَنِ ٱسْتَرَقَ ٱلسَّمْعَ } متصل، وإما المنع عن دخولها والاختلاط مع أهلها على نحو الاختلاط مع أهل الأرض فهو حينئذ منقطع، وعلى التقديرين محل { مِنْ } النصب على الاستثناء، وجوز أبو البقاء والحوفي كونه في محل جر على أنه بدلمِن كُلّ شَيْطَـٰنٍ } [الحجر: 17] بدل بعض من كل واستغنى عن الضمير الرابط بإلاَّ. واعترض بأنه يشترط في البدلية أن تكون في كلام غير موجب وهذا الكلام مثبت. ودفع بأنه في تأويل المنفى أي لم نمكن منها كل شيطان أو نحوه وأورد أن تأويل المثبت في غير أبـى ومتصرفاته غير مقيس ولا حسن فلا يقال مات القوم إلا زيد بمعنى لم يعيشوا، ولعل القائل بالبدلية لا يسلم ذلك، وقد أولوا بالمنفي قوله تعالى:فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً } [البقرة: 249] وقوله عليه الصلاة والسلام: " الناس هلكى إلا العالمون " الخبر وغير ذلك مما ليس فيه أبـى ولا شيء من متصرفاته لكن الانصاف ضعف هذه البدلية كما لا يخفى.

وجوز أبو البقاء أيضاً أن يكون في محل رفع على الابتداء والخبر جملة قوله تعالى: { فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ } وذكر أن الفاء من أجل أن { مِنْ } موصول أو شرط والاستراق افتعال من السرقة وهو أخذ الشيء بخفية شبه به خطفتهم اليسيرة من الملأ الأعلى وهو المذكور في قوله تعالى:إِلاَّ مَنْ خَطِفَ ٱلْخَطْفَةَ } [الصافات: 10] والمراد بالسمع المسموع، والشهاب ـ على ما قال الراغب ـ الشعلة الساطعة من النار الموقدة ومن العارض في الجو ويطلق على الكوكب لبريقه كشعلة النار. وأصله من الشهبة وهي بياض مختلط بسواد وليست البياض الصافي كما يغلط فيه العامة فيقولون فرس أشهب للقرطاسي، والمراد ـ بمبين ـ ظاهر أمره للمبصرين ومعنى اتبعه تبعه عند الأخفش نحو ردفته وأردفته فليست الهمزة فيه للتعدية، وقيل: اتبعه أخص من تبعه لما قال الجوهري تبعت القوم تبعاً وتباعة بالفتح إذا مشيت خلفهم أو مروا بك فمضيت معهم وأتبعت القوم على أفعلت إذا كانوا قد سبقوك فلحقتهم واستحسن الفرق بينهما الشهاب، ولما كان الاتباع محتملاً للإهلاك وغيره اختلف العلماء في ذلك فحكى القرطبـي عن ابن عباس أن الشهاب يجرح ويحرق ولا يقتل، وعن الحسن وطائفة أنه يقتل، وادعى أن الأول أصح، ونقل غير واحد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: إن الشياطين يركب بعضهم بعضاً إلى السماء الدنيا يسترقون/ السمع من الملائكة عليهم السلام فيرمون بالكواكب فلا تخطىء أبداً فمنهم من تقتله ومنهم من تحرق وجهه أو جنبه أو يده أو حيث يشاء الله تعالى ومنهم من تخبله فيصير غولاً فيضل الناس في البراري، ومما لا يعول عليه ما يروى من أن منهم من يقع في البحر فيكون تمساحاً.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8