الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَآءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَٱللَّهُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ }

{ وَجَآءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ } أي ذي كذب أو وصف بالمصدر مبالغة كأنه نفس الكذب وعينه كما يقال للكذاب: هو الكذب بعينه والزور بذاته، ومن ذلك ما في قوله:
أفيضوا على عزابكم من بناتكم   فما في كتاب الله أن يحرم الفضل
وفيهن فضل قد عرفنا مكانه   فهن به (جود) وأنتم به (بخل)
> وبعضهم يؤوّل كذب بمكذوب فيه فإن المصدر قد يؤوّل بمثل ذلك، وقرأ زيد بن علي رضي الله عنهما (كذباً) بالنصب وخرج على أنه في موضع الحال من فاعل { جَآءُوا } بتأويل كاذبين، وقيل: من دم على تأويل مكذوباً فيه، وفيه أن الحال من النكرة على خلاف القياس، وجوز أن يكون مفعولاً من أجله أي جاءوا بذلك لأجل الكذب، وقرأت عائشة رضي الله تعالى عنها والحسن ـ كدب ـ بالدال المهملة وليس من قلب الذال دالاً بل هو لغة أخرى بمعنى كدر أو طرى أو يابس فهو من الأضداد، وقال صاحب «اللوامح»: المعنى ذي كدب أي أثر لأن الكدب بياض يخرج في أظافير الشبان ويؤثر فيها فهو كالنقش ويسمى ذلك الفوق ولم يعتبر بعض المحققين تقدير المضاف وجعل ذلك من التشبيه البليغ أو الاستعارة فإن الدم في القميص يشبه الكدب من جهة مخالفة لونه لون ما هو فيه.

وقوله سبحانه: { عَلَىٰ قَمِيصِهِ } ـ على ما ذهب إليه أبو البقاء ـ حال من دم، وفي جواز تقديم الحال على صاحبها المجرور بالحرف غير الزائد خلاف، والحق كما قال السفاقسي: الجواز لكثرة ذلك في كلامهم، وفي «اللباب» ولا تتقدم على صاحبها المجرور على الأصح نحو مررت جالسة بهند إلا أن يكون الحال ظرفاً على أن الحق ما اختاره ابن مالك من جواز التقديم مطلقاً، وقال الزمخشري ومن تبعه: إنه في موضع النصب على الظرفية أي جاءوا فوق قميصه كما تقول: جاء على جماله بأحمال، وأراد على ما في «الكشف» أن { على } على حقيقة الاستعلاء وهو ظرف لغو، ومنع في «البحر» كون العامل فيه المجيء لأنه يقتضي أن الفوقية ظرف للجائين، وأجيب بأن الظرفية ليست باعتبار الفاعل بل باعتبار المفعول. وفي بعض «الحواشي» أن الأولى أن يقال: جاءوا مستولين على قميصه، وقوله سبحانه: { بِدَمٍ } حال من القميص، وجعل المعنى استولوا على القميص ملتبساً بدم جائين، وهو على ما قيل: أولى من جاءوا مستولين لما تقرر في التضمين، والأمر في ذلك سهل فإن جعل المضمن أصلاً والمذكور حالاً وبالعكس كل منهما جائز وإذا اقتضى المقام أحدهما رجح، واستظهر كونه ظرفاً للمجيء المتعدي، والمعنى أتوا بدم كذب فوق قميصه ولا يخفي استقامته.

هذا ثم إن ذلك الدم كان دم سخلة ذبحوها ولطخوا بدمها القميص كما روي عن ابن عباس ومجاهد.

السابقالتالي
2 3 4