قال قتادة: هي مقالة كفار قريش للذين آمنوا: أي لأجل الذين آمنوا: واللام للتبليغ. ثم انتقلوا إلى الغيبة في قولهم: { ما سبقونا } ، ولو لم ينتقلوا لكان الكلام ما سبقتم إليه. ولما سمعوا أن جماعة آمنوا خاطبوا جماعة من المؤمنين، أي قالوا: { للذين آمنوا لو كان خيراً ما سبقونا إليه }: أولئك الذين بلغنا إيمانهم يريدون عماراً وصهيباً وبلالاً ونحوهم ممن أسلم وآمن بالنبي صلى الله عليه وسلم. وقال الكلبي والزجاج: هي مقالة كنانة وعامر وسائر قبائل العرب المجاورة. قالت ذلك حين أسلمت غفار ومزينة وجهينة، أي لو كان هذا الدين خيراً، ما سبقنا إليه الرعاة. وقال الثعلبي: هي مقالة اليهود حين أسلم ابن سلام وغيره منهم. وقال أبو المتوكل: أسلم أبو ذر، ثم أسلمت غفار، فقالت قريش ذلك. وقيل: أسلمت أمة لعمر، فكان يضربها، حتى يفتر ويقول: لولا أني فترت لزدتك ضرباً فقال كفار قريش: لو كان ما يدعو إليه محمد حقاً، ما سبقتنا إليه فلانة. والظاهر أن اسم كان هو القرآن، وعليه يعود به ويؤيده، ومن قبله كتاب موسى. وقيل: به عائد على الرسول، والعامل في إذ محذوف، أي { وإذ لم يهتدوا به } ، ظهر عنادهم. وقوله: { فسيقولون } ، مسبب عن ذلك الجواب المحذوف، لأن هذا القول هو ناشىء عن العناد، ويمتنع أن يعمل في: إذ فسيقولون، لحيلولة الفاء، وليعاند زمان إذ وزمان سيقولون. { إفك قديم } ، كما قالوا: { أساطير الأولين } ، وقدمه بمرور الأعصار عليه. ولما طعنوا في صحة القرآن، قيل لهم: إنه أنزل الله من قبله التوراة على موسى، وأنتم لا تنازعون في ذلك، فلا ينازع في إنزال القرآن. { إماماً } أي يهتدى به، إن فيه البشارة بمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وإرساله، فيلزم اتباعه والإيمان به؛ وانتصب إماماً على الحال، والعامل فيه العامل في: { ومن قبله } ، أي وكتاب موسى كان من قبل القرآن في حال كونه إماماً. وقرأ الكلبي: كتاب موسى، نصب وفتح ميم من على أنها موصولة، تقديره: وآتينا الذي قبله كتاب موسى. وقيل: انتصب إماماً بمحذوف، أي أنزلناه إماماً، أي قدوة يؤتم به، { ورحمة } لمن عمل به؛ وهذا إشارة إلى القرآن. { كتاب مصدق } له، أي لكتاب موسى، وهي التوراة التي تضمنت خبره وخبر من جاء به، وهو الرسول. فجاء هو مصدقاً لتلك الأخبار، أو مصدقاً للكتب الإلهية. ولساناً: حال من الضمير في مصدق، والعامل فيه مصدق، أو من كتاب، إذ قد وصف العامل فيه اسم الإشارة. أو لساناً: حال موطئة، والحال في الحقيقة هو عربياً، أو على حذف، أي ذا الشأن عربي، فيكون مفعولاً بمصدق؛ أي هذا القرآن مصدق من جاء به وهو الرسول، وذلك بإعجازه وأحواله البارعة.