قوله عز وجل: { وَلاَ يَحْزُنكَ } وقرأ نافع " يُحْزِنك " ، بضم الياء، وكسر الزاي، حيث جاء إلا قوله في الأنبياء:{ لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ } [الأنبياء: 103]، فإنه قرأها كالباقين، إما اتباعاً لأثر، أو إيثاراً للجمع بين اللغتين. { ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ } أي: يقعون فيه سريعاً، رغبة فيه، وميلاً إليه. قال ابن عباس: هم المنافقون، ورؤساء اليهود. وقال الضحّاك: كفار قريش. وقيل: قوم ارتدُّوا عن الإسلام. والمعنى: لا يحزنك تعاضدهم وتناصرهم، { إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً } بمسارعتهم في الكفر. المعنى: بل يضرون أنفسهم، ألا تراه يقول: { وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }. وقال عطاء: لن يضروا أولياء الله شيئاً، فهو على حذف المضاف. { يُرِيدُ ٱللَّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِي ٱلآخِرَةِ } أي: نصيباً في الآخرة. قوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلْكُفْرَ بِٱلإِيمَانِ } قال مجاهد: هم المنافقون، آمنوا، ثم كفروا. قوله: { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ } قرأ الجمهور: " يَحْسَبَنَّ " بالياء وكذا التي بعدها: { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ }. وقرأهما حمزة بالتاء. فمَن قرأهما بالياء؛ أسند الفعل إلى " الذين كفروا " ، أو إلى " الذين يبخلون " فهم الفاعلون. ومَن قرأهما بالتاء؛ فعلى الخطاب للنبي، فهو الفاعل. " الذين كفروا " منصوب، و " أنما نملي لهم خير لأنفسهم " بدل منه، أي: لا تحسبنَّ أنما نملي للكفار خير لهم، وقوله: " أَنَّ " مع " ما " في حيزه يسد مسد المفعولين، كقوله:{ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ } [الفرقان: 44]، و " ما " مصدرية بمعنى: ولا تحسبن أن إملاءَنا خير لهم. قال ابن عباس: " الذين كفروا " هم اليهود، والنصارى، والمنافقون. وقال غيره بعمومه في جميع الكفار. ومعنى " نملي لهم ": نُطيل لهم في العمر، ومثله:{ وَٱهْجُرْنِي مَلِيّاً } [مريم: 46]. قال ابن الأنباري: واشتقاقه من المَلْوَة، وهي المدة من الزمان، يقال: مِلْوة من الدهر، ومَلْوة، ومُلْوة، ومِلاَوة، ومَلاَوة، ومُلاَوة، ومنه قولهم: تَمَلَّ حبيباً، أي: لِتَطُلْ أيامك معه. قال متمم بن نويرة:
بودِّي لَوْ أَنِّي تَمَلَّيْتُ عُمْرَهُ
بمَا لِيَ مِنْ مَالٍ طَريفٍ وَتَالِدِ
وقال غيره: الإملاء لهم تخليتهم وشأنهم، مستعار من أَمْلَى لِفَرَسِهِ؛ إذا أرخى له الطّول؛ ليرعى كيف شاء. والمعنى: لا تحسبنَّ الذين كفروا أن الإملاء لهم خير لهم من منعهم، وقطع آجالهم، { نَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوۤاْ إِثْمَاً } لأنهم كلما طالت أعمارهم كثرت معاصيهم، فازدادوا إثماً. وقد روى أبو بكرة -واسمه نفيع- رضي الله عنه: " أن رجلاً قال لرسول الله: أي الناس خير؟ قال: مَن طال عمره وحَسُن عمله، قال: فأي الناس شر؟ قال: مَن طال عمره وساء عمله "