الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوۤاْ إِثْمَاً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ }

عطف على قولهولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً } آل عمران 169 والمقصود مقابلة الإعلام بخلاف الحسبان في حالتين إحداهما تلوح للناظر حالة ضرّ، والأخرى تلوح حالة خير، فأعلم الله أن كلتا الحالتين على خلاف ما يتراءى للناظرين. ويجوز كونه معطوفا على قولهولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر } آل عمران 176 إذ نهاه عن أن يكون ذلك موجباً لحزنه، لأنهم لا يضرّون الله شيئاً، ثم ألقى إليه خبراً لقصد إبلاغه إلى المشركين وإخوانهم المنافقين أن لا يحسبوا أن بقاءهم نفع لهم بل هو إملاء لهم يزدادون به آثاماً، ليكون أخذُهم بعد ذلك أشدّ. وقرأه الجمهور { ولا يَحسبنّ الذين كفروا } ــــــ بياء الغيبة ــــــ وفاعلُ الفعل الذين كفروا، وقرأه حمزة وحده ــــــ بتاء الخطاب ــــــ. فالخطاب إما للرسول ــــــ عليه السلام ــــــ وهو نهي عن حسبان لم يقع، فالنهي للتحذير منه أو عن حسبان هو خاطر خطر للرسول صلى الله عليه وسلم غير أنّه حسبان تعجّب، لأنّ الرسول يعلم أنّ الإملاء ليس خيراً لهم، أو المخاطب الرسول والمقصود غيره، ممّن يظنّ ذلك من المؤمنين على طريقة التعريض مثللئن أشركت ليحبطنّ عملك } الزمر 65، أو المراد من الخطاب كلّ مخاطب يصلح لذلك. وعلى قراءة ــــــ الياء التحتية ــــــ فالنهي مقصود به بلوغه إليهم ليعلموا سوء عاقبتهم، ويُمِرَّ عيشهم بهذا الوعيد، لأنّ المسلمين لا يحسبون ذلك من قبل والإملاء الإمهال في الحياة، والمراد به هنا تأخير حياتهم، وعدمُ استئصالهم في الحرب، حيث فرحوا بالنصر يوم أُحُد، وبأنّ قتلى المسلمين بوم أحُد كانوا أكثر من قتلاهم. ويجوز أن يراد بالإملاء التخلية بينهم وبين أعمالهم في كيد المسلمين وحربهم وعدم الأخذ على أيديهم بالهزيمة والقتل كما كان يوم بدر، يقال أملى لفرسه إذا أرخى له الطِّوَل في المرعى، وهو مأخوذ من الملْو بالواو وهو سيرُ البعير الشديدُ، ثم قالوا أمليت للبعير والفرس إذا وسَّعت له في القيد لأنّه يتمكّن بذلك من الخَبَب والركض، فشُبِّه فعله بشدّة السير، وقالوا أمليت لزيد في غيّه أى تركته على وجه الاستعارة، وأملى الله لفلان أخّر عقابه، قال تعالىوأملي لهم إن كيدي متين } الأعراف 183 واستعير التملّي لطول المدّة تشبيهاً للمعقول بالمحسوس فقالوا ملأَّك الله حبيبَك تمليئة، أي أطال عمرك معه. وقوله { أنما نملي لهم خير لأنفسهم } أَنّ أخت إنّ المكسورة الهمزة، وما موصولة وليست الزائدة، وقد كتبت في المصحف كلمة واحدة كما تكتب إنّما المركبة من إن أخت أنّ وما الزائدةِ الكافّةِ، التي هي حرف حصر بمعنى مَا وإلاّ، وكان القياس أن تكتب مفصولة وهو اصطلاح حدث بعد كتابة المصاحف لم يكن مطّرداً في الرسم القديم، على هذا اجتمعت كلمات المفسّرين من المتقدّمين والمتأخّرين.

السابقالتالي
2