الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوۤاْ إِثْمَاً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ }

{ وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ خَيْرٌ لأَِّّنفُسِهِمْ } عطف على قوله تعالى:وَلاَ يَحْزُنكَ } [آل عمران: 176] والفعل مسند إلى الموصول، و (أن) وما عملت فيه سادّ مسدّ مفعوليه عند سيبويه لحصول المقصود وهو تعلق أفعال القلوب بنسبة بين المبتدأ والخبر، وعند الأخفش المفعول الثاني محذوف، و (ما) إما مصدرية أو موصولة وكان حقها في الوجهين أن تكتب مفصولة لكنها كتبت في الإمام موصولة، واتباع الإمام لازم، ولعل وجهه مشاكلة ما بعده، والحمل على الأكثر فيها، و { خَيْرٌ } خبر، وقرىء (خيراً) بالنصب على أن يكون ـ لأنفسهم ـ هو الخبر و { لَهُمْ } تبيين، أو حال من { خَيْرٌ } والإملاء في الأصل إطالة المدة والملأ الحين الطويل، ومنه الملوان / لليل والنهار لطول تعاقبهما، وأما إملاء الكتاب فسمي بذلك لطول المدة بالوقوف عند كل كلمة. وقيل: الإملاء التخلية والشأن يقال: أملى لفرسه إذا أرخى له الطول ليرعى كيف شاء.

وحاصل التركيب لا يحسبن الكافرون أن إملاءنا لهم، أو أن الذي نمليه خير لأنفسهم أو لا يحسبن الكافرون خيرية إملائنا لهم، أو خيرية الذي نمليه لهم ثابتة أو واقعة، ومآل ذلك نهيهم عن السرور بظاهر إطالة الله تعالى أعمارهم وإمهالهم على ما هم فيه، أو بتخليتهم وشأنهم بناءاً على حسبان خيريته لهم، وتحسيرهم ببيان أنه شر بحت وضرر محض، وقرأ حمزة { وَلاَ تَحْسَبَنَّ } بالتاء، والخطاب إما لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الأنسب بمقام التسلية إلا أن المقصود التعريض بهم إذ حسبوا ما ذكر، وإما لكل من يتأتى منه الحسبان قصداً إلى إشاعة فظاعة حالهم، والموصول مفعول، و { أَنَّمَا نُمْلِى } الخ بدل اشتمال منه، وحيث كان المقصود بالذات هو البدل وكان هنا مما يسدّ مسدّ المفعولين جاز الاقتصار على مفعول واحد، وإلا فالاقتصار لولا ذلك غير صحيح على الصحيح، ويجوز أنه يكون { أَنَّمَا نُمْلِى } مفعولاً ثانياً إلا أنه لكونه في تأويل المصدر لا يصح حمله على الذوات فلا بد من تقدير، أما في الأول: أي لا تحسبن حال الذين كفروا وشأنهم، وأما في الثاني: أي لا تحسبن الذين كفروا أصحاب أنما نملي لهم الخ، وإنما قيد الخير بقوله تعالى: { لأَِّنفُسِهِمْ } لأن الإملاء خير للمؤمنين لما فيه من الفوائد الجمة، ومن جعل خيراً فيما نحن فيه أفعل تفضيل، وجعل المفضل عليه القتل في سبيل الله تعالى جعل التفضيل مبنياً على اعتبار الزعم والمماشاة، والآية نزلت في مشركي مكة ـ وهو المروي عن مقاتل ـ أو في قريظة والنضير ـ وهو المروي عن عطاء ـ.

{ أَنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً } استئناف بما هو العلة للحكم قبلها، والقائلون بأن الخير والشر بإرادته تعالى يجوزون التعليل بمثل هذا، إما لأنه غرض وإما لأنه مراد مع الفعل فيشبه العلة عند من لم يجوز تعليل أفعاله بالأغراض.

السابقالتالي
2