{ مَن يَهْدِ ٱللَّهُ } لدينه، { فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ } عن دينه، { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } [آية: 178]، يعنيهم. ثم قال: { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَآ } ، لقول الله:{ خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ } [البقرة: 7]، فلم تفقه قلوبهم، ولم تبصر أعينهم، ولم تسمع آذانهم الإيمان، ثم ضرب مثلاً، فقال: { أُوْلَـٰئِكَ كَٱلأَنْعَامِ } يأكلون ويشربون ولا يلتفتون إلى الآخرة، كما تأكل الأنعام، ليس للأنعام همة غير الأكل والشرب والسفاد، فهي لا تسمع، ولا تعقل، كذلك الكفار، ثم قال: { بَلْ هُمْ } ، يعني كفار مكة { أَضَلُّ } ، يعني أضل سبيلاً، يعني الطريق من الأنعام، ثم قال: { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْغَافِلُونَ } [آية: 179]، لأن الأنعام تعرف ربها وتذكره، وهم لا يعرفون ربهم ولا يوحدونه. { وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ } ، " وذلك أن رجلاً دعا الله في الصلاة، ودعا الرحمن، فقال رجل من مشركى مكة، وهو أبو جهل: أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون رباً واحداً، فما بال هذا يدعو ربين اثنين، فأنزل الله: { وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ } ، يعني الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، البارئ، المصور، ونحوها، يقول: { فَٱدْعُوهُ بِهَا } ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الرجل، فقال: " ادع الله، وادع الرحمن، ورغماً لأنف المشركين، فإنك ما دعوت من هذه الأسماء، فله الأسماء الحسنى " ، قال: { وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ أَسْمَآئِهِ } ، يعني يميلون في أسمائه عن الحق، فيسمون الآلهة: اللات، والعزى، وهبل، ونحوها، وأساف، ونائلة، فمنعهم الله أن يسموا شيئاً من آلهتهم باسم الله، ثم قال: { سَيُجْزَوْنَ } بالعذاب في الآخرة { مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [آية: 180]. { وَمِمَّنْ خَلَقْنَآ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ } ، يعني عصبة يدعون إلى الحق، { وَبِهِ يَعْدِلُونَ } [آية: 181]، " فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذه لكم، وقد أعطى الله موسى، عليه السلام، مثلها. " { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } ، يعني بالقرآن، { سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } [آية: 182]، يعني سنأخذهم بالعذاب من حيث يجهلون، نزلت في المستهزئين من قريش. { وَأُمْلِي لَهُمْ } ، يعني لا أعجل عليهم بالعذاب، { إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } [آية: 183]، يعني إن أخذى شديد، قتلهم الله في ليلة واحدة. { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِمْ مِّن جِنَّةٍ } ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم، يعني من جنون، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد الصفا ليلاً، فدعا قريشاً إلى عبادة الله عز وجل، قال: { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِمْ مِّن جِنَّةٍ } { إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } [آية: 184]، يعني ما محمد إلا رسول بين. ثم وعظهم ليعتبروا في صنيعه فيوحدوه، فقال: { أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَ } إلى { وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ } من الآيات التي فيها، فيعتبروا أن الذي خلق ما ترون لرب واحد لا شريك له، { وَأَنْ عَسَىۤ أَن يَكُونَ قَدِ ٱقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ } ، يعني يكون قد دنا هلاكهم ببدر، { فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ } ، أي بعد هذا القرآن { يُؤْمِنُونَ } [آية: 185]، يعني يصدقون.