الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوۤاْ إِثْمَاً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ }

قوله تعالى: { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي }؛ قرأ الجمهور " يَحْسَبَنَّ " بالغيبة، وحمزة بالخطاب، وحكى الزجاج عن خلقٍ كثير كقراءةِ حمزة إلا أنَّهم كسروا " إنما " ونصبوا " خيراً " وأنكرها ابن مجاهد، وسيأتي إيضاح ذلك، ويحيى بن وثاب بالغيبة وكسر " إنما " ، وحكى عنه الزمخشري أيضاً أنه قرأ بكسر " إنما " الأولى وفتح الثانية مع الغَيْبة. فهذه خمسُ قراءات.

فأمَّا قراءةُ الجمهور فتخريجُها واضحٌ، وهو أنه يجوز أَنْ يكونَ الفعلُ مسنداً إلى " الذين " ، و " أنَّ " وما اتصل بها سادٌّ مسدَّ المفعولين عند سيبويه ومَسَدَّ أحدِهما والآخرُ محذوفٌ عند الأخفش حَسْبما تقدم غير مرة. ويجوز أن يكون مسنداً إلى ضمير غائب يُراد به النبيُّ صلى الله عليه وسلم أي: ولا يحسبن النبيُّ عليه السلام، فعلى هذا يكون " الذين كفروا " مفعولاً أول، وأما الثاني فسيأتي الكلام عليه في قراءة حمزة، فتتَّحِدُ هذه القراءةُ على هذا الوجه مع قراءة حمزة ـ رحمه الله ـ، وسيأتي تخريجها. و " ما " يجوز أَنْ تكونَ موصولة اسمية، فيكونُ العائد محذوفاً لاستكمال الشروط، أي: أنَّ الذي نُمْليه، وأن تكونَ مصدرية أي: إملاءنَا، وهي اسم " أنَّ " و " خير " خبرُها. قال أبو البقاء: " ولا يجوزُ أَنْ تكونَ كافةً ولا زائدةً، إذ لو كانت كذلك لانتصَبَ " خيرٌ " بـ " نُمْلي " ، واحتاجت " أنَّ " إلى خبرٍ إذا كانت " ما " زائدةً، أو قُدِّر الفعلُ يليها، وكلاهما ممتنعٌ ". انتهى. وهو من الواضحات، وكتبوا " أنما " في الموضعين متصلةً، وكان من حقِّ الأولى الفصلُ لأنها موصولة.

وأمَّا قراءة حمزة فاضطربت فيها أقوالُ الناس وتخاريجُهم حتى إنه نُقِل عن أبي حاتم أنها لحن. قال النحاس: " وتابعه على ذلك خلقٌ كثير " وهذا لا يُلْتفت إليه لتواتُرها. وفي تخريجها ستةٌ أوجهٍ، أحدها: أن يكون فاعلُ " تحسَبَنَّ " ضميرَ النبي صلى الله عليه وسلم، و { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } مفعولٌ أولُ، و { أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ } مفعولٌ ثانٍ. ولا بد على هذا التخريجِ مِنْ حَذْفِ مضافٍ: أمَّا من الأولِ تقديرُه: " ولا تَحْسَبَنَّ شأنَ الذين كفروا " ، وإمَّا من الثاني تقديرُه: " أصحابَ أنَّ إملاءنا خيرٌ لهم " ، وإنما احتجنا إلى هذا التأويل؛ لأنَّ " أنما نُمْلي " بتأويلِ مصدرٍ، والمصدرُ معنىً من المعاني لا يَصْدُق على الذين كفروا، والمفعولُ الثاني في هذا البابِ هو الأولُ في المعنى.

الثاني: أن يكونُ { أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ } بدلٌ من { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } وإلى هذا ذهب الكسائي والفراء وتَبِعهما جماعةٌ منهم الزمخشري والزجاج وابن الباذش.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7