الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوۤاْ إِثْمَاً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ }

قرأ الجمهور " يحسبن " بالغيبة، وحمزة بالخطاب، وحكى الزّجّاج عن خلق كثير كقراءة حمزة إلا أنهم كسروا " أنما " ونصبوا " خير " وأنكرها ابن مجاهدٍ - وسيأتي إيضاح ذلك - وقرأ يحيى بن وثاب بالغيبة وكسر " إنما ". وحكى عنه الزمخشري - أيضاً - أنه قرأ بكسر " أنما " الأولى وفتح الثانية مع الغيبة، فهذه خَمْسُ قراءاتٍ.

فأما قراءة الجمهور، فتخريجها واضح، وهو أنه يجوز أن يكون الفعل مسنداً إلى " الذين " و " أن " وما اتصل بها سادَّة مسد المفعولين - عند سيبويه - أو مسدَّ أحدهما، والآخر محذوف - عند الأخفش - ويجوز أن يكون مسنداً إلى ضمير غائب، يراد به النبي صلى الله عليه وسلم أي لا يحسبن النبي صلى الله عليه وسلم. فعلى هذا أن يكون " الذين كفروا " مفعولاً أول، وأما الثاني فسيأتي الكلام عليه في قراءة حمزة، لتتحد هذه القراءة - على هذا الوجه - مع قراءة حمزة رحمه الله، وسيأتي تخريجها.

و " ما " يجوز أن تكون موصولة اسمية، فيكون العائد محذوفاً، لاستكمال الشروط، أي: الذي نمليه ويجوز أن تكون مصدرية - أي: إملاءنا - وهي اسم " إن " و " خير " خبرها.

قال أبو البقاء: " ولا يجوز أن تكون كافةً، وزائدة؛ إذ لو كان كذلك لانتصب " خير " بـ " نملي " واحتاجت " أن " إلى خبر، إذا كانت " ما " زائدة، أو قدر الفعل يليها، وكلاهما ممتنع " انتهى. وهي من الواضحات. وكتبوا " أنما " - في الموضعين - متصلة، وكان من حق الأولى الفصل؛ لأنها موصولة.

وأما قراءة حمزة فاضطربت فيها أقوال الناس وتخاريجهم، حتى أنه نُقل عن أبي حاتم أنها لحن.

قال النحاس: وتابَعَهُ على ذلك [جماعة] وهذا لا يُلتفت إليه، لتواترها، وفي تخريجها ستة أوجُهٍ:

أحدها: أن يكون فاعل " تحسبن " ضمير النبي صلى الله عليه وسلم و " الذين كفروا " مفعول أول، و { أنما نملي لهم خير } مفعول ثان، ولا بُدَّ - على هذا التخريج - من حَذْفِ مضافٍ، إما من الأول، تقديره: ولا تحسبن شأنَ الذين، وإما من الثَّاني، تقديره: أصحاب أن إملاءنا خير لهم.

وإنما احتجْنَا إلى هذا التأويل؛ لأن " أنما نملي " بتأويل مصدر، والمصدر معنى من المعاني لا يَصْدُقُ على " الذين كفروا " والمفعول الثاني في هذا البابِ هُوَ الأولُ في المعنى.

الثاني: أن يكون " أنما نملي لهم " بدلاً من " الذين كفروا ".

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9