الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوۤاْ إِثْمَاً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ }

اعلم أنه تعالى حكى عن الذين ذهبوا إلى المدينة لتثبيط أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم إنما ثبطوهم لأنهم خوفوهم بأن يقتلوا كما قتل المسلمون يوم أحد، والله تعالى بين أن أقوال هؤلاء الشياطين لا يقبلها المؤمن ولا يلتفت اليها، وإنما الواجب على المؤمن أن يعتمد على فضل الله، ثم بين في هذه الآية أن بقاء هؤلاء المتخلفين ليس خيرا من قتل أولئك الذين قتلوا بأحد، لأن هذا البقاء صار وسيلة الى الخزي في الدنيا والعقاب الدائم في القيامة، وقتل أولئك الذين قتلوا يوم أحد صار وسيلة إلى الثناء الجميل في الدنيا والثواب الجزيل في الآخرة، فترغيب أولئك المثبطين في مثل هذه الحياة وتنفيرهم عن مثل ذلك القتل لا يقبله إلا جاهل. فهذا بيان وجه النظم، وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: قرأ ابن كثير وأبو عمرو { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ }وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ } [آل عمران: 180]لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ } فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ } [آل عمران: 188] في الأربعة بالتاء وضم الباء في قوله: { تَحْسَبَنَّهُمْ } وقرأ نافع وابن عامر بالياء إلا قوله: { فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ } فانه بالتاء، وقرأ حمزة كلها بالتاء، واختلاف القراء في فتح السين وكسرها قدمناه في سورة البقرة، أما الذين قرأوا بالياء المنقطة من تحت: فقوله: { يَحْسَبَنَّ } فعل، وقوله: { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } فاعل يقتضي مفعولين أو مفعولا يسد مسد مفعولين نحو حسبت، وقوله: حسبت أن زيدا منطلق، وحسبت أن يقوم عمرو، فقوله في الآية: { أَنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ خَيْرٌ لأَنفُسِهِمْ } يسد مسد المفعولين، ونظيره قوله تعالى:أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ } [الفرقان: 44] وأما قراءة حمزة بالتاء المنقطة من فوق فأحسن ما قيل فيه ما ذكره الزجاج، وهو أن { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } نصب بأنه المفعول الاول، و { أَنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ } بدل عنه. و { خَيْرٌ لاِنفُسِهِمْ } هو المفعول الثاني والتقدير: ولا تحسبن يا محمد إملاء الذين كفروا خيرا لهم. ومثله مما جعل «أن» مع الفعل بدلا من المفعول قوله تعالى:وَإِذْ يَعِدُكُمُ ٱللَّهُ إِحْدَى ٱلطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ } [الأنفال: 7] فقوله: { أَنَّهَا لَكُمْ } بدل من إحدى الطائفتين. المسألة الثانية: «ما» في قوله: { أَنَّمَا } يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون بمعنى الذي فيكون التقدير: لا تحسبن الذين كفروا أن الذين نمليه خير لأنفسهم، وحذف الهاء من «نملي» لأنه يجوز حذف الهاء من صلة الذي كقولك: الذي رأيت زيد، والآخر: أن يقال: «ما» مع ما بعدها في تقدير المصدر، والتقدير: لا تحسبن الذين كفروا أن إملائي لهم خير. المسألة الثالثة: قال صاحب «الكشاف»: «ما» مصدرية وإذا كان كذلك فكان حقها في قياس علم الخط أن تكتب مفصولة ولكنها وقعت في مصحف عثمان متصلة، واتباع خط المصاحف لذلك المصحف واجب، وأما في قوله: { أَنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ } فههنا يجب أن تكون متصلة لانها كافة بخلاف الأولى.

السابقالتالي
2 3 4