قوله تعالى: { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ ٱنتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِياً } - إلى قوله تعالى - { ذٰلِكَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ ٱلْحَقِّ ٱلَّذِي فِيهِ يَمْتُرُونَ } [16- 34] 6862/ [1]- قال علي بن إبراهيم: ثم قص الله عز و جل خبر، مريم بنت عمران (عليها السلام)، فقال: { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ ٱنتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِياً } قال: خرجت إلى النخلة اليابسة { فَٱتَّخَذَتْ مِن دُونِهِم حِجَاباً } قال: في محرابها { فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَآ رُوحَنَا } يعني جبرئيل (عليه السلام) { فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً * قَالَتْ إِنِّيۤ أَعُوذُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً } يعني إن كنت ممن يتقي الله. قال لها جبرئيل (عليه السلام): { إِنَّمَآ أَنَاْ رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاَماً زَكِيّاً } فأنكرت ذلك، لأنها لم يكن في العادة أن تحمل المرأة من غير فحل، فقالت: { أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً } ولم يعلم جبرئيل (عليه السلام) أيضا كيفية القدرة، فقال لها: { كَذٰلِكَ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلْنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً }. قال: فنفخ في جيبها، فحملت بعيسى (عليه السلام) بالليل و وضعته بالغداة، و كان حملها تسع ساعات من النهار، جعل الله لها الشهور ساعات، ثم ناداها جبرئيل (عليه السلام): { وَهُزِّىۤ إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ } أي هزي النخلة اليابسة، فهزت، و كان ذلك اليوم سوقا، فاستقبلها الحاكة، و كانت الحياكة أنبل صناعة في ذلك الزمان، فأقبلوا على بغال شهب، فقالت لهم مريم: أين النخلة اليابسة؟ فاستهزءوا بها و زجروها، فقالت لهم: جعل الله كسبكم نزرا ، و جعلكم في الناس عارا، ثم استقبلها قوم من التجار، فدلوها على النخلة اليابسة، فقالت لهم: جعل الله البركة في كسبكم، و أحوج الناس إليكم، فلما بلغت النخلة أخذها المخاض، فوضعت عيسى (عليه السلام)، فلما نظرت إليه: قالت: { يٰلَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً } ماذا أقول لخالي، و ماذا أقول لبني إسرائيل؟ { فَنَادَاهَا } عيسى { مِن تَحْتِهَآ أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً } أي نهرا { وَهُزِّىۤ إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ } أي حركي النخلة { تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً } أي طيبا، و كانت النخلة قد يبست منذ دهر طويل، فمدت يدها إلى النخلة، فأورقت و أثمرت، و سقط عليها الرطب الطري، فطابت نفسها. فقال لها عيسى؟ قمطيني و سويني، ثم افعلي كذا و كذا، فقمطته و سوته، و قال لها عيسى: { فَكُلِي وَٱشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ ٱلبَشَرِ أَحَداً فَقُولِيۤ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْماً } وصمتا - كذا نزلت - { فَلَنْ أُكَلِّمَ ٱلْيَوْمَ إِنسِيّاً }. ففقدوها في المحراب، فخرجوا في طلبها، و خرج خالها زكريا، فأقبلت و هو في صدرها، و أقبلت مؤمنات بني إسرائيل يبزقن في وجهها، فلم تكلمهن حتى دخلت في محرابها، فجاء إليها بنو إسرائيل و زكريا فقالوا لها: { يٰمَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً } أي عظيما من المناهي { يٰأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً }.