ثم أخبر عن برهان ما ادعى من الأمر فيما غلبوا يوم بدر بقوله تعالى: { ثم قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ ٱلْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } [آل عمران: 13]، إِشارة في الآية: إن الله تعالى { فِئَتَيْنِ } [آل عمران: 13]، في الظاهر من المؤمن والكافر، وفئتين في الباطن من القلب وصفاته الحميدة، { وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ } [آل عمران: 13]؛ وهي النفس الأمارة بالسوء وصفاتها الذميمة، ولهم الحرب والالتقاء على الدوام؛ وهو الجهاد الأكبر، فتارة يؤيد الله تعالى فئة القلب بالنصر ويريهم في أعين فئة النفس كثير، { يَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ ٱلْعَيْنِ } [آل عمران: 13]، وتارة يؤيد فئة النفس بالنصر فيريهم في أعين فئة القلب كثيراً، { يَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ ٱلْعَيْنِ } [آل عمران: 13]، فيولون وينهزمون، { وَٱللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَآءُ } [آل عمران: 13]، من القلب وجنوده وهم: الروح والسر والأوصاف الحميدة والملائكة، ومن النفس وأعوانها وهم: الهوى والدنيا والأوصاف الذميمة والشياطين و { آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ ٱلْتَقَتَا } [آل عمران: 13]، أن لو كان المنصور فيه القلب والمغلوب فيه النفس،{ سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } [القمر: 45]، لا ترى النفس في فئتها إلا قليلاً، ينهزم الشيطان والدنيا والهوى فلا يبقى مع النفس من جنودها وأعوانها، إلا بعض أوصافها، فينظرون إلى جنود القلب مجتمعين تائبين يقاتلون في سبيل الله،{ كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ } [الصف: 4]، { يَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ ٱلْعَيْنِ } [آل عمران: 13]، ولو كان المنصور فئة النفس والمغلوب فئة القلب، لا يرى القلب من فئة إلا قليلاً من أوصافه، فينظرون إلى أعوان النفس، { يَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ ٱلْعَيْنِ } [آل عمران: 13]؛ لأن الهوى والدنيا والشياطين أوصاف النفس، { يَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ ٱلْعَيْنِ } [آل عمران: 13]؛ لأن الهوى والدنيا والشياطين أوصاف النفس مجتمعون ثابتون مع النفس في قتال القلب، إن الله تعالى وقضائه{ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلُواْ } [البقرة: 253] وفق المشيئة{ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } [البقرة: 253]، { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَعِبْرَةً } [آل عمران: 13]، من رؤية الحق في الأحكام الأزلية وأجزائها على وفق المشيئة { لأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ } [آل عمران: 13]، المؤيدة بصائرهم بأنوار{ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ } [فصلت: 53]. ثم أخبر عن جنود الفئتين وأعوان الفرقتين بقوله تعالى: { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ مِنَ ٱلنِّسَاءِ } [آل عمران: 14]، إشارة في الآيتين: إن الله تعالى خلق الخلق على طبقات ثلاث: عوام وهم: أرباب النفوس، والغالب عليهم الهوى والشهوات، والخواص وهم: أرباب القلوب، والغالب عليهم الهدى والتقوى، وخواص الخواص وهم: أرباب القلوب عليهم المحبة والشوق، وإن الله تعالى يذكر كل صنف منهم باسم يناسب أحوالهم، فيذكر العوام باسم الناس، كقوله تعالى:{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } [الحجرات: 13]، وقوله تعالى: { زُيِّنَ لِلنَّاسِ } [آل عمران: 14]، والناس مشتق من النسيان، ويذكر الخواص باسم المؤمن