ثم أَخبر عن الملائكة بقوله: { وما مِنّا } والمعنى: ما مِنّا مَلَك { إلاّ له مَقامٌ مَعلومٌ } أي: مكان في السموات مخصوص يعبُد اللهَ فيه { وإِنّا لَنَحْنُ الصّافُّونَ } قال قتادة: صفوف في السماء. وقال السدي: هو الصلاة. وقال ابن السائب: صفوفهم في السماء كصفوف أهل الدنيا في الأرض. قوله تعالى: { وإِنّا لَنَحْنُ المُسَبِّحونَ } فيه قولان: أحدهما: المُصَلُّون. والثاني: المنزِّهون لله عز وجل عن السُّوءِ. وكان عمر بن الخطاب إذا أُقيمت الصلاة أقبل على الناس بوجهه وقال: يا أيها الناس استوُوا، فإنما يريد اللهُ بكم هَدْي الملائكة، { وإِنّا لَنَحْنُ الصّافُّون، وإِنّا لَنَحْنُ المُسَبِّحون }. ثم عاد إلى الإِخبار عن المشركين، فقال: { وإِنْ كانوا لَيَقُولونَ } اللام في " لَيَقُولونَ " لام توكيد؛ والمعنى: وقد كان كفار قريش يقولون قبل بعثة النبيّ صلى الله عليه وسلم، { لو أنّ عندنا ذِكْراً } أي: كتاباً { من الأَوَّلِينَ } أي: مثل كتب الأولين، وهم اليهود والنصارى، { لَكُنّا عِبَادَ الله المُخْلَصِينَ } أي: لأَخلصْنا العبادة لله عز وجل. { فكَفَروا به } فيه اختصار، تقديره: فلمّا آتاهم ما طلبوا، كفروا به، { فسوف يَعْلَمونَ } عاقبة كفرهم، وهذا تهديد لهم. { ولقد سَبَقَتْ كَلِمَتُنا } أي: تقدَّم وَعْدُنا للمرسَلِين بنصرهم، والكلمة قوله{ كَتَب اللهُ لأَغْلِبَنَّ أَنا ورُسُلِي } [المجادلة: 21]، { إِنّهم لَهُمُ المصُورون } بالحُجَّة، { وإنَّ جُندنا } يعني حزبنا المؤمنين { لَهُمُ الغالِبونَ } بالحُجَّة أيضاً والظَّفَر. { فَتَوَلَّ عنهم } أي: أعرِض عن كفار مكة { حتى حينٍ } أي: حتى تنقضيَ مُدَّةُ إِمهالهم. وقال مجاهد: حتى نأمرَك بالقتال؛ فعلى هذا الآيةُ محْكَمة. وقال في رواية: حتى الموت؛ وكذلك قال قتادة. وقال ابن زيد: حتى القيامة؛ فعلى هذا، يتطرَّق نسخُها. وقال مقاتل بن حيّان: نسختها آيةُ القتال. قوله تعالى: { وأَبْصَرهُمْ } أي: انظُر إِليهم إِذا نزل العذاب. قال مقاتل بن سليمان: هو العذاب ببدر؛ وقيل: أَبْصِر حالَهم بقلبك { فسوف يُبْصِرونَ } ما اْنكروا، وكانوا يستعجلون بالعذاب تكذيباً به، فقيل: { أَفَبِعذابنا يستعْجِلونَ }. { فإذا نَزَلَ } يعني العذاب. وقرأ ابن مسعود، وأبو عمران، والجحدري، وابن يعمر: { فإذا نُزِّل } برفع النون وكسر الزاي وتشديدها { بِساحتهم } أي: بفِنائهم وناحيتهم، والساحة فِناء الدّار. قال الفراء: العرب تكتفي بالساحة والعَقْوة من القوم، فيقولون: نزل بك العذاب وبساحتك. قال الزجاج: فكان عذابُ هؤلاء القتل { فَساءَ صباحُ المُنْذَرِينَ } أي: بِئْسَ صباحُ الذين أًنذروا العذاب. ثم كرَّر ما تقدم توكيداً لوعده بالعذاب، فقال: { وتَوَلَّ عنهم... } الآيتين. ثم نزَّه نفسَهُ عن قولهم بقوله تعالى: { سُبْحانَ ربِّكَ ربِّ العِزَّةِ } قال مقاتل: يعني: عِزَّةَ مَنْ يتعزَّز من ملوك الدنيا. قوله تعالى: { عَمَّا يَصِفُونَ } أي: من اتِّخاذ النساء والأولاد. { وسَلاَمٌ على المُرْسَلِينَ } فيه وجهان: أحدهما: تسليمُه عليهم إكراماً لهم. والثاني: إِخباره بسلامتهم. { والحَمْدُ للهِ ربِّ العالَمِينَ } على هلاك المُشْرِكِينَ ونُصرة الأنبياء والمرسَلين.