{ وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ }. هرب { إِلَى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } ، قال ابن عباس ووهب: كان يونس (عليه السلام) قد وعد قومه العذاب فلما تأخر العذاب عنهم خرج كالمنشور منهم، فقصد البحر وركب السفينة، فاحتبست السفينة، فقال الملاّحون: ها هنا عبد أبق من سيّده، وهذا رسم السفينة إذا كان فيه آبق لا تجري. فاقترعوا، فوقعت القرعة على يونس، فقالوا: ألا نلقيه في الماء؟واقترعوا ثانياً وثالثاً فوقعت القرعة على يونس، فقال: " أنا الآبق " وزجّ نفسه في الماء، فذلك قوله سبحانه: { فَسَاهَمَ }: فقارع، والمساهمة: إلقاء السهام على جهة القرعة. { فَكَانَ مِنَ ٱلْمُدْحَضِينَ } المقروعين المخلوعين المغلوبين. { فَٱلْتَقَمَهُ }: فابتلعه والتقمة { ٱلْحُوتُ } وأوحى الله سبحانه إليه أنّي جعلت بطنك سجناً ولم أجعله لك طعاماً، { وَهُوَ مُلِيمٌ } مذنب، قد أتى بما يلام عليه. { فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبِّحِينَ } المنزهّين الذاكرين لله سبحانه قبل ذلك في حال الرخاء، وقال ابن عباس: من المصلين، وقال مقاتل: من المصلحين المطيعين قبل المعصية، وقال وهب: من العابدين، وقال سعيد بن جبير: يعني قوله{ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } [الأنبياء: 87] وقال الحسن: ما كانت له صلاة في بطن الحوت ولكنه قدم عملاً صالحاً، { لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } لصار بطن الحوت قبراً له إلى يوم القيامة. { فَنَبَذْنَاهُ }: طرحناه { بِٱلْعَرَآءِ } قال الكلبي: يعني وجه الأرض. مقاتل بن حيان: يعني ظهر الأرض. مقاتل بن سليمان بالبراري من الأرض. الأخفش بالفِناء الفراء بالأرض الواسعة. السدّي: بالساحل، وأصل العراء الأرض الخالية عن الشجر والنّبات، ومنه قيل للمتجرد: عريان. قال الشاعر:
[ترك الهام... بالعراء
صار للخير حاصر العبقا]
{ وَهُوَ سَقِيمٌ } عليل كالفرخ الممغط، واختلفوا في المدة التي لبث يونس (عليه السلام) في بطن الحوت، فقال مقاتل بن حيان: ثلاثة أيام. عطاء: سبعة أيام، ضحاك: عشرين يوماً. السدي والكلبي ومقاتل بن سليمان: أربعين يوماً. { وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ } أي له، وقيل: عنده، كقوله:{ وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ } [الشعراء: 14] أي عندي { شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ } قال ابن مسعود: يعني القرع. ابن عباس والحسن ومقاتل هو كل نبت يمتد وينبسط على وجه الأرض، ولا يبقى على الشتاء وليس له ساق نحو القثاء والبطيخ والقرع والحنظل. سعيد ابن جبير: هو كل شيء ينبت ثمّ يموت من عامه، وقيل: هو يفعيل من (قطن بالمكان) إذا أقام به إقامة زائل لا إقامة ثابت، وقال مقاتل بن حيان: وكان يستظل بالشجرة، وكانت وعلة تختلف إليه فيشرب من لبنها، { وَأَرْسَلْنَاهُ } يجوز أن يكون من حبسه في بطن الحوت، تقدير الآية وقد أرسلناه، ويجوز أن يكون بعده،ويجوز أن يكون إلى قوم آخرين. { إِلَىٰ مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ } قال ابن عباس: معناه ويزيدون، قال الشاعر: