الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَ ٱللَّهِ كَمَن بَآءَ بِسَخَطٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ }

قوله تعالى: { أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَ ٱللَّهِ }: الكلامُ على مثلِه قد تقدَّم مِنْ أنَّ الفاءَ النيةُ بها التقديمُ على الهمزةِ، وأن مذهبَ الزمخشري تقديرُ فعلٍ بينهما. قال الشيخ: " وتقديرُه في مثلِ هذا التركيبِ متكلَّفٌ جداً ". انتهى. والذي يَظْهَرُ من التقديرات: " أحَصَل لكم تمييزٌ بين الضالِّ والمُهْتدي، فَمَنِ اتَّبع رضوانَ اللهِ واهتدى ليس كَمَنْ باءَ بسخطِه وغلَّ ". لأنَّ الاستفهامَ هنا للنفي. و " مَنْ " هنا موصولةٌ بمعنى الذي في محلِّ رفع بالابتداء، والجارُّ والمجرورُ الخبرُ. قال أبو البقاء: " ولا يجوزُ أَنْ تكونَ شرطاً، لأنَّ " كَمَنْ " لا يصلُح أن يكونَ جواباً " يعني لأنَّه كان يَجِبُ اقترانُه بالفاءِ، ولأنَّ المعنى يأْباه.

و " بسَخَطٍ " يجوزُ أَنْ يتعلَّقَ بنفسِ الفعلِ أي: رَجَع بسَخَطِه، ويجوزُ أَنْ يكونَ حالاً فيتعلَّقَ بمحذوفٍ أي: رجَع مصاحباً لسَخَطه أو ملتبساً به. و " مِنَ الله " صفتُه. والسَّخَط: الغضبُ الشديد، ويقال: " سَخَط " بفتحتين وهو مصدرٌ قياسي، ويقال: " سُخط " بضمِّ السين وسكونِ الخاء، وهو غيرُ مقيسٍ، ويقال: " هو في سُخْطَةِ المَلِك " بالتاءِ أي: في كراهةٍ منه له.

قوله: { وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ } في هذه الجملةِ احتمالان: أن تكون مستأنفةً، أخبر أنَّ مَنْ باءَ بسَخَطِه أَوَى إلى جهنَّم. ويُفْهَمُ منه مقابله وهو: أنَّ مَنِ اتَّبع الرضوانَ كان مأواه الجنة، وإنما سَكَتَ عن هذا ونَصَّ على ذلك ليكونَ أبلغَ في الزجر، ولا بُدَّ مِنْ حَذْفٍ في هذه الجمل تقديرُه: أفَمَنْ اتبع ما يؤولُ به إلى رضا الله فباء برِضاه كَمَنِ اتَّبع ما يَؤُول به إلى سَخَطه.

والثاني: أنها داخلةٌ في حَيِّز الموصولِ، فتكونُ معطوفةً على " باء بسخط " ، فيكونُ قد وَصَل الموصولَ بجملتين اسميةٍ وفعلية، وعلى كلا الاحتمالَيْن لا محلَّ لها من الإِعراب. والمخصوصُ بالذمِّ محذوف أي: وبئس المصيرُ جهنمُ. واشتملت هذه الآياتُ على الطباق في قوله: " يَنْصُرْكم ويَخْذُلْكم " ، وفي قولِه: " رضوان الله وسخطه " ، والتجنيسُ المماثِلُ في قولِه: " يَغْلُلْ " و " بما غلَّ ".