قوله تعالى ذكره: { هُنَالِكَ ٱبْتُلِيَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } إلى قوله { وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيراً }. هنالك ظرف زمان، والعامل فيه " ابتلي ". والتقدير: وقت ذلك اختبر المؤمنون فعرف المؤمن من المنافق، والابتداء به حسن على هذا. وقيل: إن العامل فيه " { وَتَظُنُّونَ } " أي: وتظنون بالله الظنون الكاذبة هنالك /، والابتداء به على هذا التقدير. ثم قال تعالى: { وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً } أي: حركوا وأزعجوا بالفتنة إزعاجاً شديداً. ثم قال: { وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } أي: شك في الإيمان وضعف في الاعتقاد. { مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً }. يروى أن قائل ذلك معتب بن قشير، قاله يزيد بن رومان، وقد تقدم ذكر هذا. ثم قال تعالى: { وَإِذْ قَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ يٰأَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ } أي: قال طائفة من المنافقين: يا أهل يثرب لا تقيموا مع النبي وارجعوا إلى منازلكم، ويثرب اسم أرض ومدينة النبي صلى الله عليه وسلم في ناحية من يثرب. ثم قال: { وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ ٱلنَّبِيَّ } أي: يستأذن طائفة من المنافقين النبي في الانصراف إلى منزلهم اعتلالاً بالخوف على منزله من السرق، وليس به إلا الفرار والهرب. قال ابن عباس: هم بنو حارثة قالوا: بيوتنا مخلاة نخاف عليها السرق. قال قتادة: يقولون بيوتنا مما يلي العدو وإنا نخاف عليها السرق. ففضحهم الله، وقال: { وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً } أي: ما يريدون إلا الهرب. يقال: أعور المنزل إذا ضاع ولم يكن له ما يستره أو سقط جداره. وقرأ يحيى بن يعمر وأبو رجاء " عَوِرَةٌ " بكسر الواو، فمعنى عورة: ضائعة. وقيل: معنى قراءة الإسكان: إن بيوتنا ذات عورة، يقال للمرأة: عورة، فالمعنى ذات نساء نخاف عليهن العدو. ويجوز أن تكون عورة مسكنة من " عَوِرَة ". ويجوز أن تكون مصدراً. ويجوز أن تكون اسم فاعل على السعة، كما يقال: رجل عَدْلٌ أي عَادِلٌ. ثم قال تعالى: { وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُواْ ٱلْفِتْنَةَ لآتَوْهَا }. [أي: لو دخلت المدينة على هؤلاء القائلين: إن بيوتنا عورة من جوانبها قاله قتادة. { ثُمَّ سُئِلُواْ ٱلْفِتْنَةَ لآتَوْهَا } ] أي: لو سئلوا الشرك لأعطوه من أنفسهم طائعين، ومن قطر لأتوه، فمعناه: لجاؤوا الكفر طوعاً. وقيل: المعنى: ولو دخلت عليهم البيوت من نواحيها ثم سئلوا الشرك لقبلوه وأتوه طائعين. ثم قال تعالى: { وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ } أي بالمدينة. قاله القتبي. وقيل: المعنى: وما تلبثوا بالفتنة. ثم قال تعالى: { وَلَقَدْ كَانُواْ عَاهَدُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ لاَ يُوَلُّونَ ٱلأَدْبَارَ } أي: ولقد كان هؤلاء الذين يستأذنون رسول الله في الانصراف عنه عاهدوا الله من قبل لا يولون عدوهم الأدبار فما أوفوا بعهدهم.