قوله: { وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ }. يحتمل أن يكون قوله: { وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ }: هما واحد، وهم المنافقون. وجائز أن يكون المنافقون هم الذين أضمروا الخلاف له، وأظهروا الوفاق، على إبانة الحق لهم وظهوره، { وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ }: هم الذين كانوا مرتابين في ذلك، لم يبن لهم ذلك، ولم ينجل قالوا هذا. { مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً }: قال عامة أهل التأويل: الذي وعد لهم فتوح البلدان، قالوا لما أحاط بهم - أعني: بالمؤمنين - الكفار قال ذلك المنافقون. وقوله: { وَإِذْ قَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ يٰأَهْلَ يَثْرِبَ }. قيل: { يَثْرِبَ }: المدينة، ويقال: { يٰأَهْلَ يَثْرِبَ }: يأهل المدينة، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من قال للمدينة: يثرب، فليستغفر الله ثلاثاً؛ هي طابة هي طابة " ثم قال بعضهم: إن قوله: { وَإِذْ قَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ يٰأَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَٱرْجِعُواْ } إنما قاله أهل النفاق لبعضهم: { لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَٱرْجِعُواْ }. ثم يحتمل قوله { لاَ مُقَامَ لَكُمْ } وجهين: أحدهما: ما قالوا: { مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ } من الفتح والنصر { إِلاَّ غُرُوراً }. والثاني: { لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَٱرْجِعُواْ }؛ لما لم يقع عندهم أنهم يصلون إلى ما كانوا يطمعون ويأملون؛ لأنهم كانوا يخرجون رغبة في الأموال وطمعاً فيها، وهو ما وصفهم:{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ... } الآية [الحج: 11]. وجائز أن يكون هذا القول من المؤمنين لأهل النفاق؛ فإن كان من المؤمنين لأولئك فالوجه فيه: أنهم أرادوا أن يطردوهم؛ لفشلهم ولجبنهم؛ لئلا يهزموا جنود المؤمنين بانهزامهم؛ لأنهم قوم همتهم الانهزام فإذا انهزموا هم انهزم غيرهم؛ فالمعنى: إذا كان ذلك من المؤمنين لهم غير المعنى إذا كان [من] أهل النفاق بعضهم لبعض، والله أعلم. وقوله: { وَيَسْتَئْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ ٱلنَّبِيَّ }. بالرجوع إلى المدينة، كقوله:{ إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَٱرْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ } [التوبة: 45]. وقوله: { يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ }. قال بعض أهل التأويل: { بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ }: خالية من الناس، ليس فيها أحد، فنخاف السرق عليها والأخذ والمكابرة. ويحتمل أن يكونوا أرادوا بالعورة دخول العدوّ عليها إذا كانوا هم في الجند، العورة، أي: يدخل علينا مكروه ما يحزننا ويهمُّنا، أو كلام نحو هذا، فأكذبهم الله في قولهم، وقال: { وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ } ، بل الله يحفظها على ما وعد، حتى لا يدخل عليهم مكروه لما يخافون ولا يصيبهم. وقوله: { إِن يُرِيدُونَ } ، أي: ما يريدون { إِلاَّ فِرَاراً } من القتال. وقوله: { وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُواْ ٱلْفِتْنَةَ لآتَوْهَا }. هذا يحتمل وجهين: أحدهما، أي: لو دخلوا عليهم من أطراف المدينة ونواحيها، ثم دعوا إلى الشرك لأجابوهم، { وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ إِلاَّ يَسِيراً } ، أي: لم يمتنعوا عن إجابتهم، بل لأجابوهم به كما دعوا.