قوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي ٱلْكِتَابِ أُولَـٰئِكَ يَلعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ ٱللاَّعِنُونَ }. قيل: { ٱلْبَيِّنَاتِ } هي الحجج، أي كتموا ما أنزل الله من الحجج التي كانت في كتبهم. وقيل: كتموا ما بين في كتبهم من نعت محمد صلى الله عليه وسلم وصفته. وجائز أن يكون { ٱلْبَيِّنَاتِ } ما بين للخلق مما عليهم أن يأتوا ويتقوا من الأحكام من الحلال والحرام. وقوله: { وَٱلْهُدَىٰ }. قيل: الصواب والرشد. وقيل: { وَٱلْهُدَىٰ } ما جاءت به أنبياؤهم من شأن محمد صلى الله عليه وسلم [ودينه وأمروا من هديه من تصديقه وقيل: كتموا الإسلام ومن دين الله كتموا محمداً صلى الله عليه وسلم]، وهم يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل. [وقوله: { مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي ٱلْكِتَابِ } اختلف في الناس. قيل: هم اليهود كتموا بعد ما بين لهم]. وقيل: بينا للمؤمنين ما كتمهم اليهود من نعته ودينه. ويحتمل: البيان بالحجج والبراهين. ويحتمل: البيان بالخبر، أخبر المؤمنين بذلك. وقوله: { أُولَـٰئِكَ يَلعَنُهُمُ ٱللَّهُ } ، قال بعض أهل الكلام: اللعن: هو الشتم من الله تعالى، لكنا لا نستحسن إضافة لفظ الشتم إليه؛ لأن المضاف إليه الشتم يكون مذموماً به في المعروف مما جبل عليه الخلق. ونقول: اللعن: هو الطرد في اللغة، طردهم الله عز وجل عن أبواب الخير. وقوله: { وَيَلْعَنُهُمُ ٱللاَّعِنُونَ } ، يعني الداعين عليهم باللعن، سموا بذلك " اللاعنين ". ويحتمل: تستبعدهم عن الخيرات وأنواع البر. وقيل: { ٱللاَّعِنُونَ } هم البهائم، إذا قحطت السماء، وأسنت الأرض قالت البهائم: منعنا القطر بذنوب بني آدم، لعن الله عصاة بني آدم. وقوله: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ }. قيل: { تَابُواْ } عن الشرك، و { وَأَصْلَحُواْ } أعمالهم فيما بينهم وبين ربهم، { وَبَيَّنُواْ } صفة محمد صلى الله عليه وسلم. وقيل: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ } عن الكتمان، و { وَأَصْلَحُواْ } ما أفسدوا بالكتمان، { وَبَيَّنُواْ } ما كتموا. وقوله: { فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }. قيل: يتوب عليهم: يقبل توبة من يتوب. وقيل: يتوب عليهم، أي: يوفقهم على التوبة. وقيل: { الرَّحِيمُ }: هو المتجاوز عن ذنبهم في هذا الموضع. وقيل: الكاشف عن كربهم. وقوله: { إِن الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ ٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ }. قيل: لعنة الله، هو إدخاله إياهم النار وإخلادهم فيها. ولعنة الملائكة قوله:{ أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ } [غافر: 50] جواباً لما سألوهم من تخفيف العذاب، كقوله:{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ فِي ٱلنَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِّنَ ٱلْعَذَابِ } [غافر: 49]، وكقوله:{ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ } [المؤمنون: 107]، فتقول لهم الملائكة:{ ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } [المؤمنون: 108]، هذا ما قيل من لعنة الملائكة. وقيل: لعنة الناس أجمعين، أنهم لما طلبوا من أهل الجنة الماء بقوله:{ وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } [الأعراف: 50] هذا لعنة الناس. والله أعلم. وقوله: { خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ }. قيل: لا يقالون ولا يردون إلى ما تمنوا، كقوله:{ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَآ أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ } [الأعراف: 53]. وقيل: لا ينظرون ولا يؤجلون. وقيل: لا يناظرهم خزان النار بالعذاب.