الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَّآ إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَآءُ وَتَهْدِي مَن تَشَآءُ أَنتَ وَلِيُّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْغَافِرِينَ }

قوله تعالى: { وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا } أي: من قومه، فلما سقط الحرف الجار تعدى الفعل فنصب، كقول الشاعر:
أَمَرْتُكَ الخَيْرَ فافْعَلْ ما أُمِرْتَ بهِ   فَقَدْ تَرَكْتُكَ ذا مَالٍ وذا نَشَبِ
تقديره: أمرتك بالخير.

والنَّشَبُ: المال والعقار.

اختلف العلماء في سبب هذا الإخبار، فقال السدي: أمره الله أن يأتي في ناس من بني إسرائيل يعتذرون إليه من عبادة العجل، فاختار منهم سبعين رجلاً، فلما سمعوا كلام الله قالوا أرنا الله جهرة، فأخذتهم الرجفة. وقد ذكرنا ذلك في البقرة عند قوله:فَأَخَذَتْكُمُ ٱلصَّٰعِقَةُ } [البقرة: 55].

قال ابن إسحاق: اختارهم [ليتوبوا] إليه مما صنعوا ويسألوا التوبة على من تركوه وراءهم من قومهم.

وقال وهب بن منبه: قالت بنو إسرائيل لموسى: إن طائفة يزعمون أن الله لا يكلمك، ولو كلمك ما قمت لكلامه، ألم تر أن طائفة منا سألوا النظر فماتوا، فأوحى الله تعالى إليه أن اختر من خيارهم سبعين رجلاً، ثم أرتق بهم الجبل، ففعل.

وقال ابن السائب: اختارهم فلم يصب إلا ستين شيخاً، فأوحى الله تعالى إليه أن يختار من الشباب عشرة، فاختار فأصبحوا شيوخاً، واختار من كل سبط ستة، فصاروا اثنين وسبعين، فقال موسى: إنما أمرت بسبعين فليتخلف منكم رجلاً، فتشاحوا، فقال موسى: لمن قعد مثل أجر من خرج، فقعد رجلان؛ يوشع وكالب، وأمر موسى السبعين أن يصوموا ويطهروا ثيابهم، ثم خرج بهم لميقات ربه.

واختلفوا في كيفية هذه الرجفة وسببها؛ فقال السدي وابن إسحاق: إنهم لما سمعوا الكلام، قالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الرجفة، وهي الصاعقة، فماتوا جميعاً.

وقال ابن عباس: إن السبعين الذين قالوا: " لن نؤمن لك حتى نرى الله " ، كانوا قبل السبعين الذين أخذتهم الرجفة، وإنما أمر الله تعالى موسى أن يختار منهم سبعين ليدعوا ربهم، فاعتدوا في الدعاء، فقالوا: اللهم أعطنا ما لم تعطه أحداً قبلنا، ولا تعطه أحداً بعدنا، فكره الله ذلك منهم، وأخذتهم الرجفة.

قال وهب: لم تكن الرجفة موتاً، ولكن القوم لما رأوا تلك الهيبة أخذتهم الرعدة، فسكنوا واطمأنوا.

وقال علي عليه السلام: إنما أخذتهم الرجفة من أجل دعواهم على موسى قتل هارون كما ذكرناه في وفاة هارون عليه السلام في التيه، فاختاروا سبعين منهم لينطلق بهم موسى فيشاهدوه، فلما انتهوا إلى القبر قال موسى: يا هارون قتلت أم متّ؟ فقال: ما قتلت، ولكن الله تعالى توفاني. فقالوا: يا موسى، لن نعصي بعد اليوم، فأخذتهم الرجفة فصعقوا فماتوا. فقال موسى: يا رب ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم؟ يقولون: أنت قتلتهم، فأحياهم الله له جميعاً، وجعلهم أنبياء كلهم.

قال المفسرون: خاف موسى عليه السلام أن يتهمه بنوا إسرائيل ولا يصدقوه إذا عاد إليهم فأخبرهم بالحال، وتضرع إلى الله وقال: { رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِّن قَبْلُ } يعني: من قبل خروجنا، أو من قبل هذا الميقات، أو من قبل أن تبتليهم بما استوجبوا به الرجفة، { وَإِيَّايَ } فكان بنوا إسرائيل يعاينون ذلك ولا يتهموني.

السابقالتالي
2