الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَّآ إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَآءُ وَتَهْدِي مَن تَشَآءُ أَنتَ وَلِيُّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْغَافِرِينَ }

{ وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَّآ } روى محمد بن إسحاق أن موسى عليه السلام، لما رجع إلى قومه فرأى ما هم فيه من عبادة العجل، وقال لأخيه وللسامري ما قال، وحرق العجل، وذرّاه في اليمّ، اختار من بني إسرائيل سبعين رجلاً، الخير فالخير، وقال: انطلقوا إلى الله، فتوبوا إليه مما صنعتم واسألوه التوبة على ما تركتم وراءكم من قومكم، صوموا وتطهروا، وطهروا ثيابكم. فخرج بهم إلى طور سيناء لميقات وقَّته له ربه، وكان لا يأتيه إلا بإذن منه وعلمٍ، فقال له السبعون - فيما ذكر لي - حين صنعوا ما أمرهم به، وخرجوا معه للقاء ربه، لموسى: اطلب لنا نسمع كلام ربنا، فقال: أفعل. فلما دنا موسى من الجبل، وقع عليه عمود الغمام حتى تغشى الجبل كلّه، ودنا موسى فدخل فيه، وقال للقوم: ادنوا. وكان موسى إذا كلمه الله وقع على جبهة موسى نور ساطع، لا يستطيع أحد من بني آدم أن ينظر إليه فضرب دونه بالحجاب، ودنا القوم حتى إذا دخلوا في الغمام وقعوا سجوداً، فسمعوه وهو يكلم موسى، يأمره وينهاه، افعل ولا تفعل، فلما فرغ إليه من أمره، وانكشف عن موسى الغمام، أقبل إليهم، فقالوا لموسى:لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ ٱلصَّٰعِقَةُ } [البقرة: 55]، وهي الصاعقة التي يحصل منها الإضطراب الشديد، فماتوا جميعاً فقام موسى يناشد ربه ويدعوه ويرغب إليه ويقول: { قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ } قد سفهوا، أتهلك مَنْ ورائي من بني إسرائيل؟

وفي رواية السدّي: فقام موسى يبكي ويقول: يا رب! ماذا أقول لبني إسرائيل إذا لقيتهم، وقد أهلكتَ خيارهم { قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ }.

وقال ابن إسحاق: اخترت منهم سبعين رجلاً، الخيّر فالخير، أرجع إليهم، وليس معي رجل منهم واحد، فما الذي يصدقونني أو يأمنونني عليه بعد هذا؟ وعلى هذا فالمعنى: لو شئت أهلكتهم من قبل خروجنا، فكان بنو إسرائيل يعاينون ذلك ولا يتهمونني.

وقال الزجاج: المعنى لو شئت أمتَّهم من قبل أن تبتليهم، بما أوجب عليهم الرجفة. انتهى.

قال ابن القيم في (إغاثة اللهفان): بعد نقل كلام من ذكرنا: وهؤلاء كلهم حاموا حول المقصود، والذي يظهر - والله أعلم بمراده ومراد نبيه - أن هذا استعطاف من موسى عليه السلام لربه، وتوسل إليه بعفوه عنهم من قبل، حتى عبد قومهم العجل، ولم ينكروا عليهم، يقول موسى: إنهم قد تقدم منهم ما يقتضي هلاكهم، ومع هذا فوسعهم عفوك ومغفرتك ولم تهلكهم، فليسعهم اليوم ما وسعهم من قبل، وهذا كمن واخذه سيده بجرم يقول: لو شئت واخذتني قبل هذا بما هو أعظم من هذا الجرم، ولكن وسعني عفوك أولاً، فليسعني اليوم.

السابقالتالي
2