{ وَ } من جملة الأسباب الموجبة لإحباط أعمالهم: اتخاذهم العجل إلهاً، وذلك أنه { ٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ } أي: من بعد ذهابه إلى الميقات عنده ربه { مِنْ حُلِيِّهِمْ } التي ورثوها من القبط بتعليم السامري أياهم { عِجْلاً } صورة عجل، وبعدها أذابوا الحلي وصاغوها ألغى السامري عليها ما قبض من تراب حافر فرس جبريل فصارت { جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ } صوت كصوت البقر، فقال السامري: هذا إلهكم وإله موسى فاتخذوها إلهاً، مع أنهم صاغوها بأيديهم من حليهم، أيأخذون العجل المصنوع إلهاً أولئك الهالكون في تيه الغفلة والنسيان. { أَلَمْ يَرَوْاْ } أي: لم يعلموا ولم يتفطنوا { أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ } أي: المصوغ المصنوع لا يكلمهم بكلامٍ دال على إصلاح حالهم { وَلاَ يَهْدِيهِمْ } ويرشدهم { سَبِيلاً } أي: الخير والصواب حتى يستحق للعبودية، بل { ٱتَّخَذُوهُ } معبوداً ظلماً وزوراً { وَكَانُواْ } في أنفسهم { ظَالِمِينَ } [الأعراف: 148] خارجين مجاوزين عن مقتضى العقل والنقل. { وَلَمَّا سُقِطَ فِيۤ أَيْدِيهِمْ } أي: ظهر ندمهم عن فعلهم، واشتد فيهم تجهيل نفوسهم وتخطئة عقولهم، ولاح عندهم قبح صنيعهم هذا { وَ } بالجملة: { رَأَوْاْ } وعلموا { أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ } بهذه الغفلة القبيحة عن مقتضى العقل والنقل { قَالُواْ } متضرعين مسترجعين خائفين، خجلين: { لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا } بسعة رحمته وجوده { وَ } لم { يَغْفِرْ لَنَا } ما جئتنا به ولم يتجاوز عنا ما فرطنا فيه { لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } [الأعراف: 149] خسراناً عظيماً في الدنيا والآخرة. { وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ } بعدما وقع فيه ما وقع، وسمع ما سمع صار { غَضْبَٰنَ } أي: استولى عليه غضبه حمية وغيرة { أَسِفاً } متأسفاً متحزناً؛ لضلال قومه { قَالَ } مغاضباً: { بِئْسَمَا } أي: بئس شيئاً { خَلَفْتُمُونِي } أي: أبدعتم خلفي { مِن بَعْدِيۤ } أي: من بعد ذهابي إلى ربي؛ لأزيد صلاحكم وإصلاحكم أيها المسرفون المفرطون فازددتم الضلال، واستوجتبم النكال { أَعَجِلْتُمْ } أيها الحمقى { أَمْرَ رَبِّكُمْ } أي: عذابه وعقابه { وَأَلْقَى } من غضبه { ٱلأَلْوَاحَ } التي كانت بيده من التوراة فانكسر منها واضمحل ما يتعلق بتفصيل الاحكام، وبقي المواعظ { وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ } هارون؛ أي: من شعر رأسه؛ من غاية غضبه وغيظه { يَجُرُّهُ إِلَيْهِ } أي: إلى نفسه؛ زجراً له وتشدداً عليه كيف لا يحفظهم، ولا ينكر عليهم؛ حتى لا يضلوا ولا يكفروا باتخاذ العجل لها؟ { قَالَ } هارون معتذراً متحزناً: { ٱبْنَ أُمَّ } أضافه إلى الأم استعطافاً { إِنَّ ٱلْقَوْمَ ٱسْتَضْعَفُونِي } حين أظهرت الإنكار عليهم، وأردت أن أصرفهم عمَّا هم عليه، وصاروا بأجمعهم أعدائي، بل { وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي } لشدة غيظهم عليَّ وعداوتهم معي، وأنت أيضاً تغضب عليَّ وتجر رأسي، وهم يفرحون ويضحكون ببغضك عليَّ وزجرك إياي { فَلاَ تُشْمِتْ } ولا تٌفرح يا أخي { بِيَ ٱلأَعْدَآءَ وَلاَ تَجْعَلْنِي } شريكاً { مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ } [الأعراف: 150] الخارجين عن مقتضى العقل والنقل. ثمَّ لمَّا سمع موسى من هارون ما سمع ندم عن فعله وعن سوء الأدب مع أخيه؛ لأنه أكبر منه سناً، واسترجع إلى الله حيث { قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي } عمَّا صنعت مع أنه بريء مما نسبت إأليه { وَ } اغفر أيضاً { لأَخِي } فلم يتقاعد ويتقاصر عن إنكار هؤلاء المضلين المتخذين لك شريكاً من أدنى مخلوقاتك { وَأَدْخِلْنَا } بفضلك وجودك { فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } [الأعراف: 151].