الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }

قوله تعالى: { لِئَلاَّ يَكُونَ }: هذه لامُ كي بعدها " أَنْ " المصدريةُ الناصبةُ للمضارعِ، و " لا " نافيةٌ واقعةٌ بين الناصبِ ومنصوبِهِ، كما تقعُ بين الجازمِ ومجزومِه نحوَ:إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ } [الأنفال: 73]، و " أَنْ " هنا واجبةُ الإِظهارِ، إذ لو أُضْمِرَتْ لَثَقُلَ اللفظُ بتوالي لامَيْنِ، ولامُ الجرِّ متعلقةٌ بقولِه: " فَوَلُّوا وجوهَكم ". وقال أبو البقاء: متعلقةٌ بمحذوفٍ تقديرُه: فَعَلْنا ذلك لئلاَّ، ولا حاجةَ إلى ذلك، و " للناس " خبرٌ لـ " يكون " مُقَدَّمٌ على اسمها، وهو " حُجَّةٌ " و " عليكم " في محلِّ نصبٍ على الحالِ، لأنَّه في الأصلِ صفةُ النكرةِ، فلمّا تقَدَّم عليها انتصَبَ حالاً، ولا يتعلَّقُ بـ " حُجَّة " لئلا يَلْزَمَ تقديمُ معمولِ المصدر عليه، وهو ممتنعٌ، لأنَّه في تأويلِ صلةٍ وموصولٍ، وقد قالَ بعضُهم: " يتعلَّق بحُجَّة " وهو ضعيفٌ. ويجوزُ أن يكونَ " عليكم " خبراً ليكون، ويتعلَّقُ " للناسِ " بـ " يكون " على رَأْي مَنْ يَرَى أنَّ كان الناقصةَ تعملُ في الظرفِ وشِبْهِه، وذكَّرِ الفعلَ في قوله " يكونَ "؛ لأنَّ تأنيثَ الحجة غيرُ حقيقي، وحَسَّن ذلك الفصلُ أيضاً.

قوله: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ } قرأ الجمهور " إلاَّ " بكسرِ الهمزةِ وتشديدِ اللام، وقرأ ابن عباس وزيد بن علي وابن زيد بفتحِها وتخفيفِ اللامِ على أنها للاستفتاح. فأما قراءة الجمهور فاختلف النحويون/ في تأويلها على أربعةِ أقوال أظهرُها: - وهو اختيارُ الطبري، وبدأ به ابن عطية، ولم يذكر الزمخشري غيرَه - أنه استثناء متصلٌ، قال الزمخشري: " ومعناه لئلا يكونَ حجةٌ لأحدٍ من اليهودِ إلا للمعانِدِين منهم القائلينَ: ما ترك قبلتنا إلى الكعبةِ إلا مَيْلاً لدين قومه وحُبَّاً لهم، وأَطلْق على قولِهم " حجة " لأنهم ساقُوه مَساقَ الحُجّة. وقال ابن عطية: " المعنى أنه لا حجة لأحدٍ عليكم إلا الحجةُ الداحضةُ للذين ظلموا من اليهود وغيرِهم الذين تكلَّموا في النازلة، وسمَّاها حُجَّة، وحكم بفسادها حين كانت من ظالم ". الثاني: انه استثناءٌ منقطعٌ فيُقَدَّر بـ " لكن " عند البصريين وببل عند الكوفيين لأنه استثناءٌ مِنْ غيرِ الأولِ والتقديرُ: لكنَّ الذين ظلموا فإنَّهم يتعلَّقون عليكم بالشُّبْهَة يَضَعونَها موضعَ الحُجَّةِ. ومثارُ الخلافِ هو: هل الحُجَّةُ هو الدليلُ الصحيحُ أو الاحتجاجُ صحيحاً كان أو فاسداً؟ فعلى الأولِ يكونُ منقطعاً وعلى الثاني يكون متصلاً. الثالث: - وهو قولُ أبي عبيدة - أن " إلاَّ " بمعنى الواو العاطفةِ، وجَعَلَ من ذلك قولَه:
774 ـ وكلُّ أخٍ مُفَارِقُه أَخوه   لَعَمْرُ أبيك إلا الفَرْقَدان
وقولِ الآخر:
775 ـ ما بالمدينةِ دارٌ غيرُ واحدةٍ   دارُ الخليفةِ إلا دارُ مروانا

السابقالتالي
2