{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } مقتضى إيمانكم: متابعة اليقين في عموم الأحوال والمقامات، وترك الظنون والجهالات في جميع الحالات إلا ظن الخير بالله وبخلص عباده من الأنبياء والأولياء، المستبعدين بمراحل عن التهمة والتغرير { ٱجْتَنِبُواْ كَثِيراً مِّنَ ٱلظَّنِّ } المورث لكم المراء والمجادلة مع الله ورسوله وعموم المؤمنين، وبالجملة: { إِنَّ بَعْضَ ٱلظَّنِّ } هو الملقى إليكم من قبل الشيطان المزور الغوي { إِثْمٌ } خرج وفسوق عن مقتضى الحدود الإلهية { وَلاَ تَجَسَّسُواْ } أي: من جملة أخلاقكم المحمودة ترك التجسس والتفحص عن خلائل بني نوعكم قطعاً عليكم ألا تبحثوا عن عورات المسلمين وغيرهم، سيما بما يوجب هتك حرماتهن من المفتريات الباطلة الشنعية { وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً } أي: من جملة أخلاقكم، بل من معظمها أيها المؤمنون القاصدون لسلوك طريق التوحيد: ترك الغيبة، وهي: أن يذكر بعضكم بعضاً منكم في غيبته بشيء لو كان حاضراً عندكم، ليشق عليه ويكرهه. وسئل صلى الله عليه وسلم عن الغيبة، فقال: " أن تذكر أخاك بما يكرهه، فإن كان فيه، فقد اغتبته، وإن لم يكن فقد بهته " وكلاهما خارجان عن اعتدال أهل الإيمان. ثم أكد سبحانه هذا النهي على وجه المبالغة في التوبيخ، فقال: { أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ } وترضى نسه { أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ } سيما حال كونه { مَيْتاً } لو فرض عرض هذا عليكم { فَكَرِهْتُمُوهُ } ألبتة؛ إذ لا يمكنكم إنكار كراهته، وغيبة الأخ المؤمن أكرهه واقبح من هذا { وَ } بالجملة: { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } المنتقم الغيور عن ارتكاب الغيبة المحرمة، وتوبوا إليه عنها وعن أمثالها { إِنَّ ٱللَّهَ } المطلع على ما في ضمائركم من الندم والإخلاص { تَوَّابٌ } يقبل منكم توبتكم { رَّحِيمٌ } [الحجرات: 12] يمحو عنكم زلتكم بعدما تبتم ورجعتم نادمين عما فعلتم. ثم أكد سبحانه أيضاً هذا الحكم على وجه التفصيل، فقال: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } الناسون للمنشأ الأصلي والفطرة الجبلية { إِنَّا خَلَقْنَاكُم } أي: أوجدناك وأخرجناكم جميعاً { مِّن ذَكَرٍ } هو: آدم المصور بصورتنا اللاهوتية، المجبول على خلافتنا { وَأُنْثَىٰ } هي: حواء المتشعبة من آدم باعتبار ناسوته { وَ } بعدما صيراناهما زوجين ممتزجين، مزودين من حصة اللاهوت والناسوت { جَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً } متكثرة من أصل واحد هو آدم { وَقَبَآئِلَ } مختلفة متجزئة من تلك الشعوب. الشعب: هي الجمع المتكثر المنشعب عن أصل واحد. والقبيلة: هي الفرق المخلتفة الحاصلة من الشعب. والعمارة: هي الطائفة المتفرعة من القبيلة. والبطم: الجمع المتفرع على العمارة. والفخذ: جمع متفرع على البطن. والفصيل: على الفخذ. فخزيمة مثلاً شعب، وكنانة قبيلة، وقريش عمارة، وقصي بطن، وهاشم فخذ، وعباس فصيل. وإنما جعلناكم كذلك { لِتَعَارَفُوۤاْ } أي: يعرف بعضكم بعضاً، وأدى تعارفكم إلى التلاحق في المنشأ لا للتفاخر والتغالب؛ إذ لا تفاخر بينكم إلا بالكرامة والنجابة المترتبة على حقية اللاهوت، وبالجملة: { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ } عن لوازم الناسوت وشواغل الهيولي { إِنَّ ٱللَّهَ } المطلع على استعدادات عباده { عَلِيمٌ خَبِيرٌ } [الحجرات: 13] بما في ظواهرهم وبواطنهم، يوفقهم على مقتضى علمه وخبرته.