قوله تعالى ذكره: { قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ } إلى قوله: { جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }. أي: قل يا محمد لهؤلاء المنكرين للبعث: يتوفاكم ملك الموت. أي: يستوفي عددكم بقبض أرواحكم، ثم إلى ربكم بعد قبض أرواحكم تردون يوم القيامة فيجازيكم بأعمالكم. قال قتادة: ملك الموت يتوفاكم ومعه أعوان من الملائكة. ودليله قوله تعالى:{ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ } [الأنعام: 61]. وملك الموت اسمه: عزرائيل، وهو بالعربية عبد الجبار صلى الله عليه وسلم، وعلى جميع الملائكة والنبيئين والمرسلين. قال مجاهد: جوبت لملك الموت الأرض، فجعلت له مثل الطست يتناول منها حيث يشاء. ثم قال تعالى: { وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ }. أي: لو رأيت يا محمد هؤلاء المنكرين للبعث ناكسوا رؤوسهم عند ربهم حياء منه للذي سلف من كفرهم وإنكارهم للبعث يقولون: { رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا }. أي: أبصرنا ما كنا نكذب به من عذابك، ومعادنا إليك، وسمعنا منك، وتصديق ما كانت الرسل تأتنا به وتأمرنا به. { فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً } أي: أرددنا إلى الدنيا نعمل فيها / بطاعتك. { إِنَّا مُوقِنُونَ } أي: قد أيقنا الآن ما كنا به في الدنيا جهالاً من توحيدك وإفرادك بالعبادة. وقيل: المخاطبة هنا للمجرمين. والمعنى: قل يا محمد للمجرم: لو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم لندمت على ما كان منك. وجواب لو محذوف، والتقدير: لرأيت ما تعتبر به اعتباراً شديداً. ومعنى: { رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا } أي: يقولون يا ربنا أبصرنا ما كنا نكذب به. ثم قال تعالى: { وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا } أي: رشدها وتوفيقها إلى الإيمان، وهذا مثل قوله:{ لَهَدَى ٱلنَّاسَ جَمِيعاً } [الرعد: 31]. و{ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً } [هود: 118]. { وَلَـٰكِنْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ مِنِّي } أي: وجب العذاب مني. { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } يعني: من أهل الكفر والمعاصي. وروى ابن وهب وابن القاسم عن مالك أنه قال: سألني رجل أمس عن القدر؟ فقلت له: نعم قال الله عز وجل في كتابه { وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا } إلى (قوله): { أَجْمَعِينَ } حقت كلمة ربك لأملأن جهنم منهم، فلا بد أن يكون ما قال: قال قتادة: لو شاء الله لهدى الناس جميعاً، لو شاء لأنزل عليهم آية من السماء تضطرهم إلى الإيمان. فالمعنى: لو شئنا لأعطينا كل إنسان توفيقاً يهتدي إلى الإيمان في الدنيا. وقيل المعنى: لو شئنا لرددناهم إلى الدنيا كما سألوا فيعملوا بالطاعة. ولكن حقَّ القول مني لأعذبنَّ من عصاني، وقد علم الله أنهم لو ردوا لعادوا إلى كفرهم كما قال في " الأنعام ". ثم قال تعالى (ذكره): { فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَآ } أي ذوقوا عذاب الله بترككم العمل للقاء يومكم.