الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوۤءِ مِنَ ٱلْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً }

[القراءة والحجة]:

الفراء ضم الظاء في قوله: { إلا من ظلم } وكسر اللام. وقرأ زيد بن اسلم والضحاك بن مزاحم { ظلم } بفتح الظاء واللام. فمن ضم الظاء، اختلفوا في تأويله فقال قوم: معنى ذلك لا يحب الله ان يجهر احد بالدعاء على احد، وهو الجهر بالسوء إلا من ظلم فيدعو على ظالمه، لا يكره ذلك وذلك انه رخص له فيه. ذهب اليه ابن عباس وقتادة والحسن.

[الاعراب]:

و (من) على قول ابن عباس في موضع رفع، لانه وجهه إلى ان الجهر بالسوء في معنى الدعاء. واستثنى المظلوم منه وقال الزجاج: وجه الرفع أن يكون بدلا من احد وتقديره لا يحب الله أن يجهر احد بالسوء إلا من ظلم وقال الفراء تقديره لا يحب الله أن يجهر بالسوء الا المظلوم، فلا حرج عليه في الجهر اما بان يدعو عليه، أو بان يخبر بما فعله به، ويذمه عليه. وبه قال الجبائي قال: ولا يجوز لمن ليس بمظلوم أن يذكر احداً بسوء لان الله (تعالى) أمره بالستر عليه والكتمان، وانما يجب عليه أن ينكر عليه فيما بينه وبينه على وجه لا يفضحه، وانما جاز ذلك للمظلوم، لانه خصم يجوز له ان يدعي على خصمه ما ظلمه فيه، فان أقام بذلك بينة استوفى له حقه، والا ابطل دعواه. وقال بعض النحويين: هذا خطأ في العربية، لان من لا يجوز أن يكون رفعاً بالجحد لانها في صلة أن، ولم ينله الجحد، فلا يجوز العطف عليه. لا يجوز ان يقول: لا يعجبني أن يقوم الا زيد. ويحتمل أن يكون (من) نصباً في تأويل ابن عباس.

[المعنى]:

وقوله: { لا يحب الله الجهر بالسوء من القول } يكون كلاماً، ثم قال: { إلا من ظلم فلا حرج عليه } فيكون (من) استثناء من الفعل، وان لم يكن قبل الاستثناء شيء ظاهر يستثنى منه، كما قال: { لست عليهم بمسيطر إلا من تولى وكفر }. وكقولهم: إني لاكره الخصومة والمراء، اللهم إلا رجلا يريد الله بذلك. ولم يذكر فيه شيء من الاشياء ذكره الفراء. وقال آخرون: معناه لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم فيخبر بما ينل منه. ذهب اليه مجاهد قال مجاهد: هو الرجل ينزل بالرجل فلا يحسن اليه فقد رخص له أن يقول ذلك فيه وروي عن أبي عبد الله انه قال: هو الضيف ينزل بالرجل، فلا يحسن ضيافته، جاز أن يقول ذلك فيه. وقال آخرون: الا من ظلم فانتصر من ظلمه، فان ذلك قد أذن له فيه، ذهب اليه السدي وهو المروي عن ابي جعفر (ع) و (من) على هذا يكون في موضع نصب على انقطاعه من الاول.

السابقالتالي
2