قوله تعالى: { بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ }: فيه وجهان أحدهما: أنه متعلق بمحذوفٍ على أنه حال، أي: يتكبَّرون ملتبسين بغير الحق. والثاني: أن يتعلَّق بالفعل قبله أي: يتكبرون بما ليس بحق، والتكبُّر بالحق لا يكون إلا لله تعالى خاصة. قوله: { وَإِن يَرَوْاْ } الظاهرُ أنها بَصَريَّة، ويجوز أن تكون قلبية، والثاني محذوفٌ لفَهْم المعنى كقول عنترة:
2293ـ ولقد نَزَلْتِ فلا تظنِّي غيرَه
مني بمنزلة المُحَبِّ المُكْرَمِ
أي: فلا تظني غيره واقعاً مني، وكذا الآية الكريمة، أي: وإن يَرَوا كل آية جائية أو حادثة. وقرأ مالك بن دينار " يُرَوا " مبنياً للمفعول مِنْ أرى المنقول بهمزة التعدية. قوله { ٱلرُّشْدِ } قرأ الأخَوان هنا وأبو عمرو في قوله{ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً } [الكهف: 66] خاصةً دون الأوَّلَيْن فيها بفتحتين، والباقون بضمة وسكون. واختلف الناس فيها: هل هما بمعنى واحد؟ فقال الجمهور: نعم لغتان في المصدر كالبُخْل والبَخَل والسُّقْم والسَّقَم والحُزْن والحَزَن. وقال أبو عمرو بن العلاء: " الرُّشْد بضمة وسكون الصَّلاح في النظر، وبفتحتين الدِّين " قالوا ولذلك أُجْمِع على قوله{ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً } [النساء: 6] بالضم والسكون، وعلى قوله{ فَأُوْلَـٰئِكَ تَحَرَّوْاْ رَشَداً } [الجن: 14] بفتحتين. ورُوي عن ابن عامر " الرُّشُد " بضمَّتين وكأنه من باب الإِتباع كاليُسُر والعُسُر. وقرأ السلمي " الرَّشاد " بألف فيكون الرُّشْد والرَّشَد والرَّشاد كالسُّقْم والسَّقَم والسَّقَام. وقرأ ابن أبي عبلة " لا يتخذوها " و " يتخذوها " بتأنيث الضمير لأن السبيل يجوز تأنيثُها. قال تعالى:{ قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ } [يوسف: 108]. قوله: { ذٰلِكَ } فيه وجهان، أظهرهما: أنه مبتدأ خبره الجارُّ بعده، أي: ذلك الصرف بسبب تكذيبهم. والثاني: أنه في محلِّ نصب. ثم اختُلِف في ذلك: فقال الزمخشري: " صَرَفَهم الله ذلك الصَّرْفَ بعينه فجعله مصدراً. وقال ابن عطية: " فعلنا ذلك " فجعله مفعولاً به، وعلى الوجهين فالباء في " بأنهم " متعلقةٌ بذلك المحذوف. قوله: { وَكَانُواْ } في هذه الجملةِ احتمالان، أحدهما: أنها نسقٌ على خبر " أنَّ " ، أي: ذلك بأنهم كذبوا، وبأنهم كانوا غافلين عن آياتنا. والثاني: أنها مستأنفةٌ أخبر الله تعالى عنهم بأنَّ مِنْ شأنهم الغفلةَ عن الآيات وتدبُّرِها.