الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ قُلْ } أمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد إلزام المشركين وتبكيتهم وبيان أن ما يتقولونه في أمر التحريم افتراء بحت بأن يبين لهم ما حرم عليهم. وقوله سبحانه: { لا أَجِدُ فِى مَا أُوْحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّمًا } الخ كناية عن عدم الوجود، وفيه إيذان بأن طريق التحريم ليس إلا التنصيص من الله تعالى دون التشهي والهوى، وتنبيه ـ كما قيل ـ على أن الأصل في الأشياء الحل، و { مُحَرَّمًا } صفة لمحذوف دل عليه ما بعد وقد قام مقامه بعد حذفه فهو مفعول أول لأجد ومفعوله الثاني { فِيمَا أُوحِىَ } قدم للاهتمام لا لأن المفعول الأول نكرة لأنه نكرة عامة بالنفي فلا يجب تقديم المسند الظرف، وليس المفعول الأول محذوفاً أي لا أجد ريثما تصفحت ما أوحي إلي قرآناً وغيره على ما يشعر به العدول عن أنزل إلىَّ { أُوحِىَ } أو ما أوحي إليّ من القرآن طعاماً محرماً من المطاعم التي حرمتموها { عَلَىٰ طَاعِمٍ } أي طاعم كان من ذكر أو أنثى رداً على قولهم:وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوٰجِنَا } [الأنعام: 139] وقوله تعالى: { يَطْعَمُهُ } في موضع الصفة لطاعم جيء به كما في قوله سبحانه:طَائِرٍ يَطِيرُ } [الأنعام: 38] قطعاً للمجاز. وقرىء { يَطْعَمُهُ } بالتشديد وكسر العين، والأصل يطتعمه فأبدلت التاء طاء وأدغمت فيها الأولى، والمراد بالطعم تناول الغذاء، وقد يستعمل طعم في الشراب أيضاً كما تقدم الكلام عليه، والمتبادر هنا الأول، وقد يراد به مطلق النفع، ومنه ما في حديث بدر " ما قتلنا أحداً به طعم ما قتلنا إلا عجازاً صلعاً " أي قتلنا من لا منفعة له ولا اعتداد به، وإرادة هذا المعنى هنا بعيد جداً ولم أر من قال به، نعم قيل: المراد سائر أنواع التناولات / من الأكل والشرب وغير ذلك، ولعل إرادة غير الأكل فيه بطريق القياس، وكذا حمل الطاعم على الواجد من قولهم: رجل طاعم أي حسن الحال مرزوق وإبقاء { يَطْعَمُهُ } على ظاهره أي على واجد يأكله فلا يكون الوصف حينئذٍ لزيادة التقرير على ما أشرنا إليه.

{ إِلا أَن يَكُونَ } ذلك الطعام أو الشيء المحرم { مَيْتَةً } المراد بها ما لم يذبح ذبحاً شرعياً فيتناول المنخنقة ونحوها. وقرأ ابن كثير وحمزة { تكون } بالتاء لتأنيث الخبر، وقرأ ابن عامر وأبو جعفر { يَكُونَ مَيْتَةً } بالياء ورفع { مَيْتَةً } وأبو جعفر يشدد أيضاً على أن كان هي التامة { أَوْ دَمًا } عطف على { مَيْتَةً } أو على أن مع ما في حيزه. وقوله سبحانه: { مَّسْفُوحًا } أي مصبوباً سائلاً كالدم في العروق صفة له خرج به الدم الجامد كالكبد والطحال. وفي الحديث " أحلت لنا ميتتان السمك والجراد ودمان الكبد والطحال "

السابقالتالي
2 3 4 5