قوله تعالى: { وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } والوسط هو العدل كما قال تعالى في آية أخرى:{ قَالَ أَوْسَطُهُمْ } [القلم: 28]، أي أخيرهم وأعدلهم والعرب تقول: فلان من أوسط قومه أي خيارهم وأعدلهم ومنه قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: هو أوسط قريش حسبا. أي جعلناكم عدلاً للخلائق. { لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى ٱلنَّاسِ } يعني للنبيين { وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } بالتصديق لكم وذلك أن الله تعالى إذا جمع الخلق يوم القيامة فيسأل الأنبياء ـ عليهم السلام ـ عن تبليغ الرسالة كقوله تعالى:{ لِّيَسْأَلَ ٱلصَّـٰدِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ } [الأحزاب: 8] فيقولون: قد بلغنا الرسالة، فتنكر أممهم تبليغ رسالته فتشهد لهم أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - بتبليغ الرسالة فتطعن الأمم في شهادتهم فيزكيهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فذلك معنى قوله تعالى: [ { لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } وَمعنى قوله { وَكَذٰلِكَ } أي وكما [هديناكم] للإسلام [والقبلة] الكعبة فكذلك جعلناكم أمة عدلاً لتكونوا شهداء على الناس. وللآية تأويل آخر: { وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } أي عدلاً، لتكونوا شهداء على الناس. يقول: إنكم حجة على جميع من خلقنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجة عليكم. والشهادة في اللغة: هي البيان فلهذا يسمى الشاهد بينة لأنه بين حق المدعي يعني أنكم تبينون لمن بعدكم، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يبين لكم. قوله تعالى: { وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا } أي ما أمرناك بالصلاة إلى القبلة الأولى ويقال: ما حولنا القبلة التي كنت عليها { إِلاَّ لِنَعْلَمَ } يقول: إلا لنختبر ونبين { مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ } يطيع الرسول في تحويل القبلة { مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ } أي يرجع إلى دينه بعد تحويل الله القبلة { وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً } أي وقد كانت لثقيلة وهو صرف القبلة { إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ } أي حفظ الله قلوبهم على الإسلام وأكرمهم باتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - في تحويل القبلة وهم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - قالوا: يا رسول الله فإخواننا الذين ماتوا ما صنع الله بصلاتهم التي صلوا إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله تعالى: { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَـٰنَكُمْ } يعني لم يبطل إيمانكم وإنما تحولت قبلتكم. ويقال: يعني صلاتهم إلى بيت المقدس التي صلوا إليها وماتوا عليها لأن اليهود قالوا: قد بطل إيمانكم حين تركتم القبلة، فنزل { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَـٰنَكُمْ } يعني يبطل إيمانكم. قال الضحاك: يعني لم يبطل تصديقكم بالقبلتين. ثم قال تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } يعني بالمؤمنين رحيم حين قبلها منهم ولم يضيع إيمانهم. قرأ حمزة والكسائي وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر: (لرؤف) بالهمزة على وزن (رعف) وقرأ الباقون: (رؤوف) على وزن فعول في جميع القرآن وهما لغتان ومعناهما واحد.