الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ قَتَلُوۤاْ أَوْلَٰدَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ ٱفْتِرَآءً عَلَى ٱللَّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَ جَنَّٰتٍ مَّعْرُوشَٰتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَٰتٍ وَٱلنَّخْلَ وَٱلزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُتَشَٰبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَٰبِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ }

هذا لفظ يتضمن التشنيع بقبح فعلهم والتعجب من سوء حالهم في وأدهم البنات وحجرهم الأنعام والحرث، وقال عكرمة: وكان الوأد في ربيعة ومضر.

قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وكان جمهور العرب لا يفعله، ثم إن فاعليه كان منهم من يفعله خوف العيلة والأقتار وكان منهم من يفعله غيرة مخافة السباء وقرأ ابن عامر وابن كثير: " قتّلوا " بتشديد التاء على المبالغة وقرأ الباقون: " قتلوا " بتخفيفها و { ما رزقهم الله }: هي تلك الأنعام والغلات التي توقف بغير شرع ولا مثوبة في معاد بل بالافتراء على الله والكذب و { قد ضلوا } إخباراً عنهم بالحيرة وهو من التعجيب بمنزلة قوله { قد خسر } ، { وما كانوا } يريد في هذه الفعلة ويحتمل أن يريد: وما كانوا قبل ضلالهم بهذه الفعلة مهتدين لكنهم زادوا بهذه الفعلة ضلالاً وقوله تعالى: { وهو الذي أنشأ جنات معروشات } الآية هذا تنبيه على مواضع الاعتبار و { أنشأ } معناه خلق واخترع " والجنة " مأخوذة من جن إذا ستر، و { معروشات } قال ابن عباس: ذلك في ثمر العنب، ومنها ما عرش وسمك ومنها ما لم يعرش وقال السدي " المعروشات " ما عرش كهيئة الكرم، وغيره البساتين وقيل: المعروش هو ما يعترشه بنو آدم من أنواع الشجر وغير المعروش ما يحدث في الجبال والصحراء ونحو ذلك وقيل: المعروش ما خلق بحائط وغير المعروش ما لم يخلق، و { مختلفاً }: نصب على الحال على تقدير حصول الاختلاف في ثمرها لأنها حين الإنشاء لا ثمرة فيها فهي حال مقدرة تجيء بعد الإنشاء، و { متشابهاً } يريد في المنظر، { وغير متشابه } في المطعم قاله ابن جريج وغيره وقوله { كلوا من ثمره } نفس الإباحة وهو مضمن الإشارة إلى النعمة بذلك، ويقرأ " من ثُمره " بضم الثاء وقد تقدم، { وآتوا حقه يوم حصاده } فقالت طائفة من أهل العلم: هي في الزكاة المفروضة منهم ابن عباس وأنس بن مالك والحسن بن أبي الحسن وطاوس وجابر بن زيد وسعيد بن المسيب وقتادة ومحمد بن الحنفية والضحاك وزيد بن أسلم وابنه، وقاله مالك بن أنس.

قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وهذا قول معترض بأن السورة مكية وهذه الآية على قول الجمهور غير مستثناة، وحكى الزجّاج أن هذه الآية قيل فيها إنها نزلت بالمدينة، ومعترض أيضاً بأنه لا زكاة فيما ذكر من الرمان وجميع ما هو في معناه، وقال ابن الحنفية أيضاً وعطاء ومجاهد وغيرهم من أهل العلم: بل قوله { وآتوا حقه } ندب إلى إعطاء حقوق من المال غير الزكاة، والسنة أن يعطي الرجل من زرعه عند الحصاد وعند الذرو وعند تكديسه في البيدر، فإذا صفا وكال أخرج من ذلك الزكاة، وقال الربيع بن أنس حقه وإباحة لقط السنبل، وقالت طائفة كان هذا حكم صدقات المسلمين حتى نزلت الزكاة المفروضة فنسختها.

السابقالتالي
2