الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَٰبِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ جَامِعُ ٱلْمُنَٰفِقِينَ وَٱلْكَٰفِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً }

قرأ الجماعة: " نُزِّل " مبنياً للمفعول، وعاصم ويعقوب قَرَآه " نَزَّلَ " مبنياً للفاعِل، وأبو حَيْوة وحُميد: " نَزَل " مخففاً مَبْنياً للفاعِل، والنخعي: " أُنْزِل " بالهَمْزَة مبنياً للمفعُول.

والقائمُ مقامَ الفاعِل في قراءة الجَمَاعة والنَّخعي، هو " أنْ " وما في حيِّزها، أي: وقد نَزَّل عليْكُم المَنْعَ من مُجَالستِهِم عند سَماعِكم الكُفْر بالآيَات، والاسْتِهْزَاء بها.

وأمّا في قراءة عاصمٍ: فـ " أنْ " مع ما بعدها في مَحَلِّ نصبٍ مفعولاً به بـ " نزَّل " ، والفاعل ضميرُ الله - تعالى - كما تقدَّم.

وأما في قِرَاءة أبي حَيْوة وحمَيد: فمحَلُّها رفعٌ بالفاعِليّة لـ " نزل " مخففاً، فمحَلُّها: إمّا نَصْب على قِرَاءة عَاصِمٍ، أو رَفْع على قِراءة غيره، ولكن الرَّفْع مختلف.

فصل

قال المفسِّرون: المَعْنَى: وقد نَزَّل عليكم يا معشر المُؤمنين، { أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ } يعني: القُرْآن { يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم } يعني: مع المُسْتَهْزِئين { حتى يخوضوا في حديث غيره } ، وذلك أنَّ المُشركِينَ كانُوا يخوضُونَ في مُجَالَسَتِهم في ذِكْر القُرْآن، يستَهْزِئُون به، فأنْزَل الله - تعالى -وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِيۤ آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ } [الأنعام: 68] وهذه الآية نَزَلَتْ في مَكَّة.

ثم إن أحْبَار اليهُود بالمدينَة، كانوا يَفْعَلُون فعل المُشْرِكِين، وكان المُنافِقُون يَقْعُدون معهُم، ويُوافِقُونهم على ذلك، فقال - تعالى - مُخَاطِباً لَهُم: { وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها } والمعنى: إذا سَمِعْتُم الكُفْر بآيَات اللَّه والاستهزاء بِهَا، لكنَّه أوْقع فعل السماع على الآية، والمُراد بها: سَمَاع الاسْتِهْزَاء.

قال الكسَائِيُّ: هو كما يُقَال: سَمِعْت عَبْد اللَّه يُلاَم.

قال ابن الخطِيب: وعندي فيه وَجْه آخَر: وهو أنْ يَكُون المَعْنَى: إذا سَمِعْتُم آيَاتِ اللَّه حَالَ ما يُكْفَر بها ويستهزأ بها، وعلى هذا فلا حَاجَة لما قاله الكسَائِيُّ.

قوله: " أنْ إذَا " " أن " هذه هي المُخَفَّفةُ من الثَّقيلة، واسمُهَا: ضِمِير الأمْر والشَّأن، أي: أنَّ الأمْر والشأن إذا سَمعْتُم الكُفْر والاسْتهْزَاء، فلا تَقْعُدُوا.

قال أبو حيان: وما قَدَّره أبو البقاء من قوله: " أنَّكُم إذا سَمِعْتُم " ليس بجَيِّد، لأن " أن " المخففة لا تَعْمَل إلاَّ في ضِمِير الشَّأن، إلا في ضرورةٍ؛ كقوله: [الطويل]
1888- فَلَوْ أنْكِ فِي يَوْمِ الرَّخَاءِ سألْتِني   طَلاَقَكِ لَمْ أبْخَلْ وَأنْتِ صَدِيق
قال شهاب الدين: هكذا قال، ولم أره أنا في إعراب أبِي البَقَاءِ إلا أنَّه بالهَاءِ دون الكَافِ والمَيم، والجملةُ الشَّرْطِية المُنْعَقدةُ من " إذا " وجوابها في مَحَلِّ رَفْع، خَبَراً لـ " أنْ " ، ومن مَجِيء الجُمْلة الشرطيَّة خبراً لـ " أنْ " المُخَفَّفَة: قوله: [الكامل]

السابقالتالي
2 3