القراءة: قرأ أهل الكوفة غير عاصم بل عجبتُ بضم التاء والباقون بفتحها وقرأ ابن عامر وأهل المدينة غير ورش أو آباؤنا ساكنة الواو والباقون بفتحهما وكذلك في الواقعة. الحجة: قال أبو علي: من قرأ بل عجبتَ بالفتح فالمعنى بل عجبتَ من إنكارهم البعث وهم يسخرون أو عجبتَ من نزول الوحي عليك وهم يسخرون والضم فيما زعموا قراءة علي ع وابن عباس وروي عن شريح من إنكار له فإنه قال إن الله لا يعجب وقد احتجَّ بعضهم للضم بقوله{ وإن تعجب فعجبٌ قولهم } [الرعد:5] وليس في هذا دلالة على أن الله سبحانه أضاف العجب إلى نفسه ولكن المعنى وإن تعجب فعجب قولهم عندكم. والمعنى: في الضم أن إنكار البعث والنشر مع ثبات القدرة على الابتداء والإنشاء عجيب ويبيّن ذلك عند من استدلَّ عندكم مما تقولون فيه هذا النحو من الكلام إذا ورد عليكم مثله كما أن قوله{ أسمع بهم وأبصر } [مريم: 38] معناه أن هؤلاء ممن تقولون أنتم فيه هذا النحو وكذلك قوله{ فما أصبرهم على النار } [البقرة: 175] عند من لم يجعل اللفظ على الاتفهام وعلى هذا النحو قوله{ ويل للمطففين } [المطففين: 1] و{ ويل يومئذٍ للمكذبين } [المرسلات: 15] وقوله{ لعلَّه يتذكَّر أو يخشى } [طه: 44] ولا يجوز أن يكون العجب في وصف القديم سبحانه كما يكون في وصف الإنسان لأن العجب فينا إنما يكون إذا شاهدنا ما لم نشاهد مثله ولم نعرف سببه وهذا منتف عن القديم سبحانه. اللغة: اللازب واللازم بمعنى أُبْدِلت من الميم الباء قال النابغة:
وَلا يَحْسَبُونَ الْخَيْرَ لا شَرَّ عِنْدَهُ
وَلا يَحْسَبُونَ الْشَّرَّ ضَرْبَةَ لازِبِ
وبعض بني عقيل يقولون لاتب أيضاً بالتاء والداخر الصاغر أشد الصغر. المعنى: ثم خاطب سبحانه نبيَّه صلى الله عليه وسلم فقال { فاستفتهم } أي فاسألهم يا محمد سؤال تقرير { أهم أشد خلقاً } أي أحكم صنعاً { أم من خلقنا } قبلهم من الأمم الماضية والقرون السالفة يريد أنهم ليسوا بأحكم خلقاً من غيرهم من الأمم وقد أهلكناهم بالعذاب. وقيل: أهم أشدُّ خلقاً أم من خلقنا من الملائكة والسماوات والأرض وغلب ما يعقل على ما لا يعقل { إنا خلقناهم من طين لازب } معناه أنهم إن قالوا نحن أشد فأعلمهم أن الله خلقهم من طين فكيف صاروا أشد قوة منهم والمراد أن آدم خلقه الله من طين وأن هؤلاء نسله وذريته فكأنهم منه. وقال ابن عباس: اللازب الملتصق من الطين الحر الجيد. { بل عجبت } يا محمد من تكذيبهم إياك { و } هم { يسخرون } من تعجبك ومن ضم التاء فالمراد أنه سبحانه أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخبر عن نفسه بأنه عجب من هذا القرآن حين أعطيه وسخَّر منه أهل الضلال وتقديره: قل بل عجبت عن المبرد.