الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ بَلِ ٱلإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ }

قوله: { بَصِيرَةٌ }: يجوزُ فيها أوجهٌ، أحدُها: أنَّها خبرٌ عن " الإِنسانُ " و " على نفسِه " متعلِّقٌ بـ " بَصيرةٌ " والمعنى: بل الإِنسانُ بَصيرةٌ على نفسِه، وعلى هذا فلأيِّ شيءٍ أُنِّث الخبرُ؟ وقد اختلف النَّحْويون في ذلك، فقال بعضهم: الهاءُ فيه للمبالغةِ. وقال الأخفش: " هو كقولِك: فلانٌ عِبْرَةٌ وحُجَّةٌ ". وقيل: المرادُ بالإِنسان الجوارِحُ، فكأنَّه قال: بل جوارِحُه بصيرة أي: شاهدةٌ. والثاني: أنها مبتدأٌ، و " على نفسِه " خبرُها. والجملةُ خبرٌ عن " الإِنسانُ " ، وعلى هذا ففيها تأويلاتٌ أحدُها: أنْ يكونَ " بصيرةٌ " صفةً لمحذوفٍ أي: عينٌ بصيرةٌ، قاله الفراء. وأنشد:
4413ـ كأن على ذي العقْل عَيْناً بَصيرةً   بمَقْعَدِه أو مَنْظَرٍ هو ناظرُهْ
يُحاذِرُ حتى يَحْسَبَ الناسَ كلَّهمْ   من الخوف لا تَخْفَى عليهمْ سرائِرُهْ
الثاني: أنَّ المعنى: جوارح بَصيرة. الثالث: أنَّ المعنى: ملائكةٌ بصيرة، والتاءُ على هذا للتأنيثِ. وقال الزمخشري: " بَصيرة: حُجَّةٌ بَيِّنة، وُصِفَتْ بالبِصارة على المجازِ كما وُصِفَتْ الآياتُ بالإِبصار في قولِه:فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً } [النمل: 13]. قلت: هذا إذا لم تَجْعَلِ الحُجَّة عبارةً عن الإِنسانِ، أو تَجْعَلْ دخولَ التاء للمبالغةِ. أمَّا إذا كانَتْ للمبالغةِ فنسبةُ الإِبصارِ إليها حقيقةٌ. الثالث من الأوجه السابقة: أَنْ يكونَ الخبرُ الجارَّ والمجرورَ، و " بصيرةٌ " فاعلٌ به، وهو أرجحُ مِمَّا قبلَه لأنَّ الأصلَ في الإِخبارِ الإِفرادُ.