قوله تعالى: { ٱنظُرُونَا } قرأ حمزة: بقطع الهمزة وفتحها وكسر الظاء. وقرأ الباقون: بوصل الهمزة وضم الظاء. والابتداء على هذه القراءة بضم الهمزة، وحمزة جعله من الإنظار، وهو التأخير والإمهال، كقوله:{ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } [الأعراف: 14]. وقال الفراء: تقول العرب: أنظِرْني بمعنى: انتظرني. قال عمرو بن كلثوم:
أبَا هندٍ فلا تَعْجَلْ عَلَيْنا
وأنْظِرْنا نُخَبِّرْكَ اليقِينا
والباقون جعلوه من نظر العين، أو بمعنى: انظرونا؛ لأنهم يسرع بهم إلى الجنة، [كالبرق] الخاطف، والمنافقون مشاة. قال المفسرون: تغشى الناس يوم القيامة ظلمة شديدة، [فيعطى] المؤمنون النور، فيمشي المنافقون بنور المؤمنين، فإذا سبقهم المؤمنون قالوا: { ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } ، فيقول لهم المؤمنون، -وقيل: الملائكة- تهكُّماً بهم واستهزاء: { ٱرْجِعُواْ وَرَآءَكُمْ } إلى الموضع الذي أعطينا فيه النور، { فَٱلْتَمِسُواْ نُوراً } فيرجعون فلا يجدون شيئاً، فيلحقون بهم، فيحال بينهم وبينهم، فذلك قوله تعالى: { فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ }. قال قتادة: حائط بين الجنة والنار. قال ابن عباس ومجاهد: هو الأعراف. وكان جماعة من العلماء قد ذهبوا إلى أنه يكون بالموضع الذي يسمى: وادي جهنم، شرقي البيت المقدس، منهم: عبدالله بن عمرو بن العاص، وابن عباس في رواية ابنه علي، وكعب الأحبار. وفي الحديث: أن عبادة بن الصامت قام على سور بيت المقدس الشرقي فبكا، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: مِنْ هاهنا أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى جهنم. قوله تعالى: { لَّهُ بَابٌ } أي: لذلك السور بابٌ لأهل الجنة يدخلون منه، { بَاطِنُهُ } باطن السور أو الباب، وهو الشق الذي يلي الجنة { فِيهِ ٱلرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ } ما ظَهَرَ لأهل النار { مِن قِبَلِهِ } من جهته { ٱلْعَذَابُ } الظلمة والنار. { يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ } أي: ينادي المنافقون المؤمنين: ألم نكن معكم على دينكم نصلي بصلاتكم ونغزو معكم، فيجيبهم المؤمنون: { بَلَىٰ وَلَـٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ } مَحَنْتُمُوها بالنفاق وأهلكتموها، { وَتَرَبَّصْتُمْ } بالمؤمنين الدوائر، { وَٱرْتَبْتُمْ } شككتم في دين الإسلام مع وضوح دلائل صحته، { وَغرَّتْكُمُ ٱلأَمَانِيُّ } الكاذبة والآمال [الخائبة]، { حَتَّىٰ جَآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ } نزل بكم سلطان الموت. وقال قتادة: هو إلقاؤهم في النار. { وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } وهو الشيطان. { فَٱلْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ } وقرأ ابن عامر: " تُؤْخَذ " بالتاء؛ لتأنيث الفدية. وقد سبق القول على مثل ذلك في مواضع. والمعنى: لا يؤخذ منكم عِوَضٌ ولا بَدَل، والخطاب للمنافقين؛ بدليل قوله: { وَلاَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ }. { مَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ } قال أبو عبيدة: أولى بكم. قال الزمخشري: حقيقتُه: [مَحْراكم ومقمنكم. أي]: مكانكم الذي يقال فيه: هو أولى بكم، كما يقال: هو مئنَّةٌ للكرم، أي: مكان لقول الناس: إنه لكريم. ويجوز أن يراد: هي ناصركم، أي: لا ناصر لكم غيرها. والمراد: نفي الناصر على البت. ومنه قوله:{ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَٱلْمُهْلِ } [الكهف: 29]. وقيل: هي تتولاكم كما توليتم في الدنيا أعمال أهل النار.