الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُمْ مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قوله تعالى: { قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا } الآية. لما قال تعالى:إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ } [الحجرات:13] والاتّقاء لا يكون إلا بعد حصُول التقوى وأصله الإيمان والاتِّقاء من الشِّرك قالت الأعراب يكون لنا النسب الشريف يكون لنا الشرف قال الله تعالى: ليس الإيمان بالقول إنما بالقلب، فما آمنتم فإن الله خبير بعلم ما في " الصدور " ولكن قولوا أسلمنا أي أنْقَدْنَا وأَسْلَمْنَا. قيل: نزلت في نَفَرٍ من بني أسد بن خزيمة، قدموا على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في سَنةٍ مُجَدِبَةٍ، فأظهروا الإِسلام ولم يكونوا مؤمنين في السر طالبين الصدقة فأفسدوا طرق المدينة بالقاذورات وكانوا يغتدون وَيُرحُون إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويقولون: أَتَتْكَ العرب بأنفسها على ظهور رَوَاحِلهَا، وجئناك بالأثقال والعِيَال والذَّرارِي ولم نُقاتِلكَ كما قاتَلَكَ بنُو فلان يَمُنُّون على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويريدون الصدقة، ويقولون أَعْطِنَا، فانزل الله تعالى فيهم هذه الآية. وقال السدي: نزلت في الأعراب الذين ذكرهم الله تعالى في سورة الفتح وهم جُهَيْنَةُ ومُزَيْنَةُ وأَسْلَمُ، وأشْجَعُ وغِفَار وكانوا يقولون: آمنًّا ليأمَنُوا على أنفسهم وأموالهم فلما استنفروا إلى الحديبية تخلفوا فأنزل الله تعالى: { قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا } صدقنا { قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا } أنقَذْنا واسْتَسْلَمْنَا مخالفَة القتل والسَّبْي.

قال ابن الخطيب: وقد بينا أن ذلك كالتاريخ للنزول لا للاختصاص بهم، فكل من أظهر فعل التقوى أراد أن يصير له ما للمتقي من الإكرام ولا يحصل له ذلك لأن التقوى من عمل القلب.

قوله: " وَلَمَّا يَدْخُلْ " هذه الجملة مستأنفة، أخبر تعالى بذلك. وجعلها الزمخشري حالاً مستقرّة في: " قَولُوا " وقد تقدم الكلام في " لما " وما تدل عليه، والفرق بينها وبين " لم " في البقرة عند قوله تعالى:وَلَمَّا يَأْتِكُم } [البقرة:214].

وقال الزمخشري: فإن قلت: هو بعد قوله: " لَمْ تُؤمِنُوا " يشبه التكرير من غير استقلال بفائدة متجدِّدة!.

قلت: ليس كذلك، فإن فائدة قوله: لم تُؤْمِنُوا هو تكذيب دعواهم. وقوله: " وَلَمَّا يَدْخُل " توقيت لِمَا أمروا به أن يقولوه. ثم قال: " ولما في " لمّا " من معنى التوقيع دليل على أن هؤلاء قد آمنوا فيما بعده " ، قال أبو حيان: فلا أدري من أي وجه يكون النفي بِلَمَّا يقع بعد؟!. قال شهاب الدين: لأنَّها لنفي قَدْ فَعل، وقَدْ للتَّوَقع.

فصل

قال ابن الخطيب: لَمْ ولَمَّا حَرْفَا نفي، ومَا، وإنْ ولاَ كذلك من حروف النفي ولَمْ ولَمَّا يجزمان وغيرهما من حروف النفي لا يجزم فما الفرق بينهما؟.

فالجواب: أن لم ولما يفعلان بالفعل ما لا يفعل به غيرهما، فإنهما يَصْرِفَان معناه من الاستقبال إِلى النفي تقول: لَمْ يُؤْمِنْ أَمْسِ، وآمَنَ اليَوْمَ، ولا تقول: لاَ يُؤْمِنُ أَمْسِ، فلما فعلا بالفعل ما لم يفعل به غيرهما جزم بهما.

السابقالتالي
2 3